بعد خروجي من قصري وبعد جلوسي في وسط الطريق أصارع أفكاري .. وبعد أن اتخذت قراري .. بأن لا أخبر أحدا عن ما جرى لي .. فالموت أفضل من أن أذل لأحد يوما .
بقيت في الشارع حتى غربت الشمس وأنا مصدومة , و لا أعرف ماذا أفعل؟ , رفعت هاتفي النقال وأخذت أبحث بين الرسائل النصية لعل هناك أحد قد سأل عني , ولكني لم أجد شيئا , وحين أردت ادخال هاتفي في الحقيبة تذكرت تلك الرسالة التي وصلتني من مده وكانت تقول: ( صديقتي حقا الشوق لأيام طفولتنا يغلبني ) ..
تذكرت تلك الفتاة التي ترسل لي رسائل نصية كل فترة وأخرى , كانت صديقتي حين كنا في المدرسة, ولكنها ما زالت تراسلني رغم أني أتهرب منها منذ دخولي للجامعة , ولا أرد على اتصالاتها , فهي لا تشابهني أبدا , حتى أنها لا تستطيع أن تنسق لون حذائها مع لون حقيبتها .. فكيف أنسق أنا بيني وبينها !! .
بقيت أفكر بها قليلا ثم حدثت نفسي قائلة : لا أعرف حقا لما أفكر بها؟ ولكن يجب أن أفكر في حل والا سأموت بردا تحت أكوام الثلج المتراكم .
رفعت هاتفي وبحثت عن رقمها واتصلت بها , ومن حسن حظي أنها ردت علي وكانت سعيدة بمكالمتي , تحدثنا قليلا وأخذت أرص لها أعذار تهربي منها , ثم أخبرتها برغبتي في رؤيتها لأمر ضروري , فلم تمانع , أخبرتها بأن تلتقيني في الحديقة العامة وأن تحضر لي معها القهوة الفرنسية , فوافقت .. ولكنها أخبرتني بأنها ستتأخر قليلا لظروف عملها , ذهبت الى الحديقة العامة أنتظرها , وكلما كان الوقت يمضي كلما كان البرد يشتد , كنت أشعر بأني ضائعة ومتعبة.. مشاعر كثيرة في داخلي مضطربة.. نظرت للسماء راجية من الله أن لا تمطر.. فالوضع لا يحتمل أكثر..
وأخيرا أتت صديقتي تلك , وما ان رأتني حتى سلمت علي بحرارة , ثم نظرت لي وقالت : ما هذه الحقائب هل ستسافرين ؟ , ناولتني القهوة وأكملت قائلة : هذه قهوتك يبدو اني تركتك تنتظريني حتى تجمدتِ.
أجبتها : لستي السبب كنت سأنتظر على أي حال. , قالت : أخبرتني أن هناك موضوع مهم ما الأمر ؟ .
حين أردت أن أخبرها بدأ أنفي بالرعاف, فناولتني هي بسرعة بعض المحارم الورقية وصرخت قائلة : يا الهي هل ما زال هذا يحدث معك في البرد !! أخبرتك أني سأتأخر لما أتيتي باكرا وانتظرتني ؟!! , عندها أخبرتها بكل ما حدث معي ..
فقالت : لا أصدق لما لم تخبريني فورا حين اتصلت بي؟ لما انتظرتِ حتى الآن لتخبريني ؟.. هيا قومي ستذهبين معي الى المنزل . , فقلت لها : لا .. لا بأس فقط ان كان بالإمكان أن تعيريني بعض المال حتى أجد مكان أبيت فيه الليلة وغدا سأحاول أن أتصرف . ,عندها وقفت بحزم وقالت : لا ستأتين معي . فقلت لها : ألستِ متزوجة ؟ . , أجابتني : نعم ولكن زوجي قد سافر منذ مده وانا حاليا أسكن مع أخي وتأكدي أنه لن يمانع تواجدك فكفي عن الثرثرة وهيا بنا .
استسلمت لدعوتها فليس هناك حل آخر على الأقل لهذا اليوم فقط .
في الطريق كانت تكلم أخيها وحكت له ظروفي , وما ان أغلقت الهاتف حتى قالت لي :هو يرحب بك بشده. , اجبتها بابتسامة أخفيت خلفها الكثير من الألم على حالي وكنت أردد داخلي: أنا لا أحتاج لأحد سينتهي هذا الكابوس وأستيقظ.
وصلنا الى منزلها ففتحت الباب ودخلت هي متجهة في أرجاء المنزل لتغلق النوافذ , ودخلت أنا أسحب خلفي حقائبي وأجول بنظري عبر زوايا ذلك المنزل, كان عبارة عن دور واحد صغير جدا , نظامه يشبه بعض الشيء نظام البيوت الأمريكية فالمطبخ مفتوح على الصالة , والصالة عباره عن مجلس صغير به تلفاز صغير , كل شيء في ذلك المنزل كان يحتاج الى عدسة مكبرة .
بعد لحظات سمعت صوت رجل يأتي من خلفي ينادي باسم صديقتي ويقول : اخيرا وصلتي الطقس بارد جدا الليلة . التفت لأراه وصعقت عند رؤيتي لنفس القميص المخطط المثير للاستياء , نعم أعتقد أنه هو ذلك المتسول الذي طردته البارحة من منزلي , أتمنى من الله أن لا يكون هو أخوها , ولكن ما ان نظر الي حتى تحولت نظراته لسخرية ثم قال: اهلا بك يا قطه.
بقيت صامته مذهولة حتى انتهت صديقتي من غلق النوافذ واقتربت من كلانا قائلة : هذا هو أخي.. وهذه هي صديقتي منذ كنت في المدرسة , والتي حكيت لك عنها في الهاتف قبل قليل . ثم نظرت لي واكملت : سأذهب لأعد لك غرفتي ارتاحي هنا قليلا .
دخلت هي وتركتني معه وانا صامتة ومربكة .
فقال لي : انتظري لا تجلسي سأذهب لأحضر لك كرسي من كراسي الحديقة.. اوه ليس لدينا حديقة نسيت ذلك , ولكن من حسن الحظ أن المنزل ليس به خدم لذا نستطيع أن نأوي واحدة ما رأيك ؟ .
عندها جن جنون كبريائي ولم أتكلم بكلمة , سحبت حقائبي واتجهت للباب وهو ينظر لي ولم يحاول أن يوقفني حتى . خرجت مسرعه من ذلك المنزل و بقيت أمشي في الشارع .. حتى ظننت أن السماء أيضا لم تقاوم ذلي و بكت أمطارا غزيرة أغرقتني وأخفت دموع كبريائي تحتها, كم بدا الشارع مخيف ليلا وكم كنت متعبة جدا , وضعت حقائبي أرضا وجلست عليها مبللة بالمطر وللحظة ظننت أني حقا سأموت بردا , أردت فقط أن أغمض عيني ولكني سمعت أصوات ضجيج لمجموعة رجال كانوا قادمين في اتجاهي فخفت كثيرا ووقفت مره أخرى أحمل حقائبي وأسارع في خطواتي حتى سمعتهم يضحكون فزاد ذلك من رعبي وركضت بسرعة لأجد قدماي لا شعوريا أخذتني مره أخرى الى منزل صديقتي وأخيها المتسول , وطرقت الباب ففتح ذلك المتسول الباب وحين رأيته ارتبكت ولم أعرف ما أقول ثم جمعت ما تبقى من قواي و قلت :
أتعَبَتني...
دنياي كذبت علي ..
خدعتني...
أعطتني حتى ملكتها..
ونسيت أنها .. ملكتني...
بين أناملها أمسكتني...
قَبلتني...
ودارت بي فرحا .. فرفعتني...
نجمه في سمائها علقتني ..
كنت كذلك .. هي جعلتني...
ثم ملتني...
كثيــــــــــــــــــــــرا أغرتني...
ثم ملتني...
وما ظننت يوما أن بحسنها قد تفعل ..
ببســـاطه سئمتني...
والآن.. نعم ألقتني...
وها أنا أعرج هربا..
تطاردني بأقدامها وأصرخ ألما..
لكن نجحت ..
كسرتني...
بدموع فقير بعد غنى قهرتني...
لا ينقصني ذلكم يا بشر ..
ألا يكفي أنها أذلتني ؟؟!!...
بعد قولي لتلك الكلمات خر جسدي المتجمد أرضا وفقدت وعيي أمام ذلك المتسول .. ترى ماذا سيحدث وهل سيساعدني ويسمح لي بالبقاء في منزله؟ .. وكيف ستكون مواجهة كبريائي معه ؟.. تابعوا ذلك في الجزء القادم من (شتاء قلبي) .
بقلمي
سيدة القصر
(سارة بنت طلال)