ما ان أنهيت خطابي الصارم لنبضي الثائر , حتى وقفت أقاوم ارتباكي على خشبة العرض وأحاول بشموخ رفع رأسي لأرى الناس تنظر الي باستنكار .
و فجأه سمعت صوت أحد الرجال ينادي من بين هؤلاء الناس قائلا : انتِ يا فتاة .. اوقفي ثرثرتك الممله وافعلي ما يقوله المهرج .
ثم بدأ الضجيج يعلو بينهم, منهم من يقول: نعم افعلي ما يقوله المهرج. , ومنهم من يصرخ: انزلي من هناك لا تفسدي العرض .
شعرت بالخجل أكثر وأدركت كم أحرجت نفسي , نظرت للأرض بيأس شديد و واتجهت أود النزول من على ذلك المسرح بهدوء في محاوله مني لاظهار قوتي وعدم مبالاتي .. رغم أن عيناي كانت تستعجلني في النزول من هناك قبل أن تفضحها دموعي التي كانت تتسلل تود الافلات من بين جفوني التي تأسرها .
نزلت وواصلت المشي بهدوء الى أن اقتربت من بوابة الخروج لتلك الحديقه , وما ان خرجت حتى تركت لعيناي وقدماي العنان , فأخذت أركض وأبكي حتى قررت الجلوس على أحد الكراسي الطويله في أحد المنتزهات القريبة , ففي تلك اللحظه كنت حقا حزينه, بكيت كثيرا حتى اقترب ذلك المتسول مني وجلس بجانبي .
سألته متفاجأه : هل كنت تتبعني ؟
أجابني : قد خرجتي معي ويجب أن تعودي معي .. هذا كل ما في الأمر .
قلت له بخجل : أعتذر عما سببته لك من احراج .. ماكان يجب أن تقوم بدعوتي.
ابتسم وقال : يا لك من شاعرة مجنونه .
بقيت صامته ولم أتكلم.. كانت دموعي تغلبني و كان الأسى يداعب حالي كثيرا .. حتى تكلم هو فقال : انت غريبه حقا .. فحين قابلتك للمرة الأولى كنتي كالأميرات وجمالك كم كان يوحي لي بأنك نجمة أو ملاك, رغم أنك حقا مغروره جدا ولئيمه :
لم أعتقد عندها أن بداخلك لحن نبض تخاطبينه ..
ولم أعتقد بأن في عينيك شموخ دمع تحاربينه ..
أتساءل ترى ذلك الشعر لمن تكتبينه؟..
ونبض قلبك أي حب تحرمينه ؟..
أجبته باكية : لقد أفسدت كل شيء .. أحرجت نفسي فحسب , أرجوك اتركني وحدي , لا أحب أن يراني أحد هكذا .. أتمنى أن تحترم رغبتي هذه .
بقي قليلا ثم نهض بهدوء من على ذلك الكرسي بجانبي واختفى من حولي .
ازدادت دموعي المتزاحمه حول ملامحي حتى شعرت للحظه بأنها تحجب عني الرؤية أخذت أمسح دموعي بكفاي و حين استطعت فتح عيناي لاح لي خيالا أمامي , فعرفت أن ذلك المتسول لم يرحل ومؤكد أنه يقف خلفي ..
صرخت بانهيار دون أن ألتفت اليه خوفا من أن تُهين تلك الدموع كبريائي أمامه ..أخذت أخاطب انعكاس خياله أمامي وكأني أخاطبه تماما , ثم قلت : لما عدت؟ ماذا تريد ؟ نعم ربما أنا مجرد دميه في نظرك ..و لكن ..و لكن :
انظر الي جيدا ..
تفحص ملامحي بعنايه...
لشموخ الدمع في عيناي قصه ..
لابتسامتي البارده حكايه ...
لا تبحث عني في الشكل والصوره ..
لن تجد انعكاسي في المرايا ...
أنا الشاعره ..
أنا البطله ..
أنا الروايه ...
(نعم أميره) ..
نعم تكثر في صفاتي المزايا ...
لكني روح بلا روح ..
مشاعري غطتها الجروح ..
وهل يصبح الليل ليلا ان لم أنوح؟ ..
ماذا تعرف عني ؟!..
هل هي ابتسامتي؟ !...
بعض مزاحي؟!..بعض صرامتي؟ !..
ماذا تعرف عن عنايا؟؟ ...
هل قابلت على كوكبنا ملاكا بلا خطايا؟! ...
تسألني لمن أكتب كل سطوري؟ ..
من جعل القلب ينبض في الحنايا؟!...
لا شيء سوايا ...
أما الحب ؟ ..
موضوع جيد للكتابه ...
أما الشعر؟ ..
حروف مصفوفه تمحي الكئابه ...
أما أنا؟ ..
شاعرة أختلق مشاعري الكذابه ...
أما أنت؟ ..
لا شيء سوى ..
حديثي مع (الخيال)..
حين تغتالني الرتابه...
ويبقى حالي على حالي ..
بين نفسي ونفسي انشغالي ..
سيدة القصر..
أسيرة أيامي بلا عد ولا حصر ..
مهما ملكني الغرور..
ومثَل قلبي الصلابه ...
اجهشت بالبكاء حتى شعرت بخياله يتحرك و يقترب مني لأشعر بيديه وهي تضع ذلك المعطف على كتفاي , رغم ارتدائي معطفي الا أني لم أشعر بالدفيء كما شعرت حين وضع هو ذلك المعطف علي , لاحظت رائحة ذلك العطر المميز في معطفه , ولاحظت أيضا خامة القماش الناعمه جدا , رفعت رأسي قليلا فانتبهت لتلك الأزرة الذهبية في ذلك المعطف , أغمضت عيناي وحدثت نفسي قائله : يا الهي أتمنى أن لا يكون هو .
فتحت عيناي بسرعه ونظرت اليه فعرفت أن أمنيتي لم تتحقق ..
نعم قد كان هو.. ذلك الملاك الأنيق , هو من كان يستمع لشكواي معاناتي وأنيني .. والآن يغمرني بردائه ويحتويني .
تساءلت بتذمر: ترى لما يحدث هذا معي ؟ لما في كل مرة ألتقيه أجد نفسي محرجة أمامه .
ابتعدت عنه بسرعه كابتعادي في كل صدفة تجمعني به , ولكني شعرت بيديه وهي تقبض على ذراعي بقوه وكأنه يثق برغبتي في الهروب .
أخذت أشيح بوجهي بعيدا عنه ولكنه سحبني نحوه من ما أجبر نظراتي على الالتقاء بنظراته ثم قال:
انت هي تلك الفتاة صاحبة المظله ..أليس كذلك ؟
قلت له بارتباك شديد : رجاءا اتركني .
فرد قائلا : أجيبيني أولا .
أجبته : نعم أنا هي .. والآن دعني .
رفع يديه محاولا مسح دموعي ولكني أبعدتها مستنكره فعلته تلك فقال : عذرا .. ولكن عيناك جميلتان فلا تدعي دموعك تنال منها .
تعجبت كثيرا من جرأته ولكنه أكمل حديثه وكأنه لم يتعدى حدوده قائلا : تلك الكلمات التي قلتيها في المهرجان .. كانت رائعه حقا , ولكن لم يكن الجمهور المناسب فحسب.
لم أنطق بكلمه لشدة خجلي والتفت لأرحل ولكنه ناداني وقال : اسمحي لي أن أقوم بايصالك الى المنزل يا آنسه .. فسيارتي قريبه من هنا .
أجبته : شكرا لك .. سأعود وحدي .
شعرت به يركض خلفي ويقول : حسنا انتظري قليلا أود أن أعيد لك مظلتك .
قلت بحده : احتفظ بها لا أريدها .
مشيت قليلا ثم أدركت بأني لا أسمع صوت أقدامه, التفت لأنظر خلفي فلم أجده , ولكن لم تمضي ثواني حتى سمعت صوت سيارته الفارهه جدا وهي تمضي بجانبي وقد قام بفتح النافذه و قال بتحدي :سنلتقي ثانية يا فتاة المظله فأنا أود استعادة معطفي .
واشار لمعطفه الذي قام بوضعه على كتفاي , وغمز لي بخبث ثم مضى مسرعا بسيارته الرياضيه الملفته .
فقدت أعصابي وأخذت أنادي عليه : تعال وخذه .. يا الهي كيف نسيت أمر هذا المعطف آآآآآآه هذا ما كان ينقصني .
عدت الى المنزل و لمحت ذلك المتسول وهو يمشي أمام باب المنزل ذهابا وايابا بقلق وقد كان يحمل شيئا في يده , وما ان رآني حتى اقترب مني ليسألني : هل أنتِ بخير الآن ؟.
قلت : نعم انا بخير .
أخذت أحاول العبور لأدخل الى المنزل ولكنه قطع طريقي مجددا وهو ينظر لذلك المعطف على أكتافي وقال : هل قابلتي أحدا ؟.
أجبته وأنا أسحب ذلك المعطف من علي : لا أحد مهم .
ولرغبتي في تشتيت انتباهه حتى لا يسألني عن ذلك المعطف مرة أخرى قلت : ما الذي تحمله في يدك .
قال بخجل وهو يمرر يده خلف رقبته ويعطيني بيده الأخرى ما يحمله : هذه بعض الشطائر .. التي نالت اعجابك ! عدت الى هناك وجلبتها لكِ.
ثم قال في محاوله منه ليظهر جديته وتذمره : والآن ادخلي فأنتِ حقا تأخرتِ في العوده .
أخذت تلك الشطائر منه واغتال الصمت كل الكلمات على شفاهي وقتها ولكن ...
.
.
.
.
ماذا بعد لكن .. وما مصير ذلك الشتاء في قلبي؟ , ترى هل يدوم طويلا ؟؟؟؟؟.
بقلمي
سيدة القصر
(سارة بنت طلال)