الفصل الثالث
تقف بفستان زفافها الأبيض بين ستائر الشيفون الشفافة ..و تشير لحبيبها الذي يراقبها من خلف الستائر و يبتسم لها و يناديها , ثم يحاول العبور اليها من خلف الستائر , فتقترب منه في محاولة منها للمس يديه بيديها .
ولكن الستائر تقف عائقا بينهما ..
تمشي وتمشي بين الستائر , هي تبحث عن مخرج يرميها في أحضانه , و هو يتتبع لمساتها بكفوفه بين الستائر .. ولكن الهواء قرر مراقصة تلك الستائر ..فراحت أطرافها ترمي به بعيدا عن حبيبته فضاعت منه و ما عاد يلمح خيالها ..
وهي .. نظراتها تزداد توترا وخوفا , ما زالت تحاول سحب الستائر ولكن لا آخر لها , أخذت تركض بجنون تحارب طبقات الشيفون .. حتى اصطدمت بصدره فغمرته .. ورفعت وجهها اليه .. تريد أن تعانق بنظراتها عينيه ..فتفاجأت برجل مُظلم , هو ليس هو , ولكن لما يُحاصرها بيديه! ..
.
.
استيقظت يارا من حلمها الغامض صارخة : خااااااااااالد .
جاكلين اسقطت الكتاب الذي بين يديها , وفي حركة سريعة قامت من على الكرسي و توجهت الى يارا : سيدتي .. هل أنتِ بخير؟.
يارا في فزع : من أنتِ ؟؟ و لما أنا هنا ؟ ماذا فعلتم بي؟؟.
جاكلين : ارجوكِ اهدئي .. أنتِ بخير .
أخذت جاكلين كوب الماء الموضوع بالقرب من سرير يارا : سيدتي تناولي بعض الماء .. وهدئي من روعك .
دفعت يارا كوب الماء الذي بين يدي جاكلين فوقع أرضا , وصرخت بها : ابتعدي .. لا أريد منكم شيئا .
ثم حملت احدى الزجاجات الحادة والمتناثرة من كأس الماء المكسور , و قفزت من السريربسرعة مندفعة الى احدى أركان الغرفة بفستان زفافها الذي أبت أن تبدله لها جاكلين بالليلة الماضية .
صرخت وهي تُهدد : ان اقترب مني أحد سأقتل نفسي .. لا تقتربي .
جاكلين في حالة فزع : لا سيدتي .. اسمحي لي أن أشرح لكِ .. رجاءً ... اهدئي رجاءً .
يارا وهي تصرخ : ابتعدي .. ابتعدي .
جاكلين بتوتر : حسنا لن أقترب .. فقط اتركي الزجاج من يديكِ , و وعد مني لن أقترب .
يارا يزداد بكائها : لا لن أتركه .. اخرجي من هنا بسرعة .. اخرجي .
خرجت جاكلين بسرعة خوفا من تهديدات يارا .. فأغلقت يارا باب الغرفة بالمفتاح .
خرجت جاكلين من جناح يارا بخطوات مسرعة متوترة وفزعة وتوجهت الى مكتب منصور في الدورالأول , ودون أن تطرق الباب دخلت .
منصور نظر اليها بغضب : لما لم تطرقي الباب .
جاكلين بأنفاس متقطعة : سيدي .. سيدي .. السيدة يارا ! ..
منصور بقلق : ما الأمر ؟!
جاكلين : هي تُمسك بزجاج الكأس المكسور .. و تهدد بالانتحار .
منصور لم ينطق بكلمة وبلا أي مقدمات انتفض من مكانه و ركض في اتجاه جناح يارا .
دخل الى الجناح وتوجه الى غرفة النوم .. حاول فتح الباب ولكنه مُغلق , طرق الباب ولكن لم يسمع منها رداً .
جن جنونه فاندفع بقوة واصطدم بالباب وكسره ..
دخل فوجدها تنظر له بتحدي وهي تغرز ذلك الزجاج في عروق معصمها وتسقط أرضا أمامه .
ذهب اليها بسرعة وحملها وهو يصرخ : جاكلين اطلبي الطبيب اسرعي .
يارا بين يديه تنظر للدم المتدفق من معصمها وتعود بنظرها اليه .. تحاول التحدث أو ابعاده لكن ما زال الذهول يسيطر عليها , وكل ما يدور في بالها ..لما هذا الرجل هنا ؟!
.
.
.
في المشفى ..
طراد : أمي أرجوك توقفي عن النحيب كأن يارا قد ماتت لا سمح الله .
أم يارا والدموع على وجنتيها ترفض الطعام والحديث :....
طراد : لا أعلم لما تفعلين هذا بي .. كلي القليل فقط لتتحسني .
والد يارا يتدخل : كلي يا امرأة .. ابنتك مع عشيقها الآن وان مُتي لن تكترث لأمرك.
طراد وهو ينظر لوالده بنظرة بائسة : يا الهي .. ماذا حدث لكما , كيف تعتقدون بأن يارا قد تفعل ذلك .
والد يارا : أنا لم أنجب ابنة قط .. فلا تذكر لي اسمها .
ثم عاد بنظره الى والدة يارا ووقف متجها الى الباب وهويُكمل قائلا : اهتمي بصحتك ان أردتِ العودة الى المنزل .. أما أنا فسأعود من الآن .. وحين أخرج من هذه المشفى سأقول لجميع الناس بأن ابنتي ماتت .
أما والدة يارا فظلت تلتزم الصمت .
وضع طراد يديه على رأسه وهويحاول السيطرة على أعصابه , والسؤال الوحيد الذي يشغل باله ..أين هي يارا ؟!
.
.
.
عادت يارا للنوم من جديد بعد أن أعطاها الطبيب ابرة مهدئة ليستطيع تقطيب و خياطة الجروح في معصمها .
كان منصور يقف بجانب النافذة المطلة على الحديقة وبقي طوال الوقت ينظر الى الخارج معطيا ظهرة للطبيب وهو يعالج يارا .
الطبيب وهو يزيل القفازات موجها كلامه لجاكلين : حسنا انتهينا .. سآتي غدا لمتابعة حالتها .
التفت منصور الى الطبيب وقال : كيف هي الآن .
الطبيب : لا تقلق سموك ستكون زوجتك بخير .. ثم أكمل يوجه كلامه للممرضة المرافقة له : بدلي لها ملابسها؟ .
جلس الطبيب على الكرسي بجانب سرير يارا وهو يكتب الوصفة الطبية لبعض الأدوية المسكنة للألم .
نظر منصور بحدة للممرضة وقال : انتظري .
ثم عاد بنظره الى الطبيب وقال : اخرج حتى تستطيع أن تبدل لها ملابسها .
الطبيب بخجل : عذرا أنا فقط سأكتب الوصفة الطبية و أخرج .
منصور : اكتبها في الخارج .
خرج الطبيب وتبعه منصور , وبقيت جاكلين لتساعد الممرضة في تبديل ملابس يارا .
ما ان خرج منصور حتى اندفع اليه فهد يسأل عن حال يارا فأجابه : خذ الوصفة الطبية من الطبيب .. ثم اتبعني الى المكتب .
جلس على كرسي مكتبه وهو في غاية الاحباط والقلق ..
بعد عشر دقائق دخل اليه فهد ونظر اليه ثم قال : يا الهي كم ذلك الطبيب مزعج .. هو يشك بأنها حادثة انتحار , وقد أخذت وقتاً طويلا لأقنعه بأنها ليست كذلك .
انتبه فهد لشحوب وجه منصورفسأله : سيدي .. هل انت بخير ؟.
منصور دون أي مبالاة لسؤاله : أحضر لي ملفات العمل كلها .. حتى التي أجلتها سابقا .
فهد : ربما يجب أن ترتاح قليلا .
منصور بحدة : نفذ أوامري رجاءً .
فهد بقلة حيلة : حسنا .
بقي منصور يعمل في مكتبه طوال اليوم .. حتى أنه قام بإلغاء موعد وجبة الغداء ومضى الوقت حتى قام بالغاء وجبة العشاء أيضا , وصار الوقت يمضى دون أن يتوقف منصورعن العمل .
في الحادية عشرة تماما.. اتجه نحو الجناح الخاص به , دخل الى غرفة نومه واتجه مباشرة الى الشرفة , أخرج سيجارته وبدأ يُدخن وعيناه على شرفة جناح يارا الملاصق لجناحه .
كاد أن يختنق من وحدته , فسأل سيجارته : تُرى كيف تتخيلي قصتنا ؟!
وحين نفث الدخان من فمه وجده قد تشكل برسم ملامح يارا أمامه , فرمى سيجارته وأخذ يُشتت سُحب الدخان بغضب ويقول : لا تحاول أيها الدخان .. فلا أحد يحفظ ملامحها مثلي .
ثم دخل الى غرفته وأغلق الشرفة و تعارك مع القلق حتى نام .
في اليوم التالي ..
جاكلين : سيدتي يارا .. قدأخبرتك بكل ما أعرفه صدقيني.. السيد منصور لديه الأسباب التي جعلته يجلبك الى هنا , بإمكانك سؤاله عنها ومؤكد سيجيبك .. لذا أرجوكِ .. كلي القليل من وجبة الافطار حتى تأخذي الدواء المسكن .. فمهمتي هنا أن تبقي في أحسن حال وبصحة جيدة .
يارا تنظر الى جاكلين بتوسل : اذن أرجوك أخرجيني من هنا .
جاكلين : صدقيني هذا ليس بيدي .
يارا : حسنا .. دعيني فقط أتصل بوالدتي .. أخبرها بأني بخير .
جاكلين : أعدك بأن أتحدث مع السيد منصور بشأن هذا .. لكن عليك أن تأكلي أولا .
يارا بتحدي : ساعديني على النهوض اذن .. لأني سأتحدث مع ذلك المعتوه بنفسي .
جاكلين : حسنا سيدتي .. ولكن عديني بأنك ستتناولي الطعام بعد ذلك .
يارا : حسنا سأتناوله .. والآن ساعديني .
بعد أن خرجت يارا من دورة المياه .. قالت لها جاكلين : تفضلي معي الى غرفة الملابس .
ثم قادتها الى الغرفة المجاورة في نفس الجناح .
بدأت يارا تُلاحظ فخامة الجناح وديكوراته ,, كان يغلب عليه الطابع الكلاسيكي .. ويبدو بأن الأثاث قد صُمم خصيصا ليتلاءم معه .
واللون العودي الداكن يكتسح أغلب ديكورات الجناح , والأسقف المنقوشة والعالية يتدلى منها نجف الكريستال اللامع , و كل ركن يرتفع بعامود شاهق على شكل قلم قد تزين بكتابات ذهبية بخط النسخ العربي .
واللوحات على الجدران كأنها تقول .. اقتربي فداخل كل برواز قصة .
رغم حالة يارا النفسية السيئة الا أنها كانت مبهورة بالأناقة الفاخرة في ذلك الجناح .
انتبهت جاكلين لتأخر يارا فأخرجت رأسها من غرفة الملابس قائلة : سيدتي تفضلي من هنا .
دخلت يارا الى غرفة الملابس لتفاجأ بمساحات شاسعة من الرفوف والأدراج و مانيكانات العرض التي كانت تتزين بـ أفخم أطقم الإكسسوار .
وكان كل شيء قد ترتب على حسب تصنيف المناسبات التي تلائمه .
جاكلين : سيدتي .. ماذا تُفضلي أن تلبسي , يُوجد هذا البنطال الأبيض .. أعتقد بأنه سيكون مريح في فترة الصباح ما رأيك؟ ..
ثم أكملت تقول : ولكني أميل الى ذلك الفستان الأصفر هناك .. أشعربأنه سيُناسبك أكثر .
يارا ما زالت علامات التعجب بادية عليها : لمن هذه الملابس ؟! هل هي لكِ؟.
جاكلين : لا سيدتي .. هذه كلها لكِ أنتِ .
يارا : ماذا!! .
انطلقت يارا تُبعثر الملابس وهي تحاول رؤية المقاسات .. ثم صرخت : ياالهي !! ..
ثم وجهت نظراتها الى جاكلين وأكملت قائلة : أنتِ ! .. أخبريني من اشترى كل هذا ؟.
جاكلين : السيد منصور فعل ذلك سيدتي .
أمسكت يارا بأكتاف جاكلين وجذبتها قائلة : كيف عرف مقاسي؟! .. ولماذا؟ .. أخبريني لماذا ؟ .
ثم انهارت وسقطت أرضا وهي تبكي وتقول : هل يعتقد ذلك المعتوه بأني سأبقى هنا .. ماقصته ؟ّ! ليُخبرني أحد ما قصته؟!!!
احتضنت جاكلين يارا وهي في غاية الحزن على حالها .
وبقيت يارا تبكي حتى قررت أن تستجمع قواها مرة أخرى وتُبعد جاكلين عنها وتقول : حسنا .. أعطني أي شيء ..سأرتدي أي شيء وليكن ذو أكمام طويلة .. وسأنزل لمقابلته , فأنا أرغب في ايجاد اجابة على سؤالي .
بدلت يارا ملابسها .. ثم أخذت تبحث في تلك الرفوف عن حجاب تُغطي به شعرها , لطالما آمنت دوما بضرورة الحجاب وأهميته للمرأة .. لكنها لم تجد أثناء بحثها سوى شال شتوي قامت بلفه على رأسها لعله يفي بالغرض .
ثم نزلت تتبع جاكلين التي اتجهت بها الى مكتب منصور ..
كانت يارا تحاول جاهدة أن تُشجع خطواتها على المشي , حيث تبادر الى ذهنها ذكرى حديث مشرفها في العمل , عن شخصية رئيس مجموعة شركات العالي .
كان يصفه في احدى اجتماعات فريق العمل بالجمعية قائلا : هذا الرجل لايعرف الرحمة أبدا ..
فهو حين يُضارب بأسهمه في السوق , لابد أن تسمع بعدها بأيام معدودة وفاة أحد رجال الأعمال بالجلطة جراء خسارة أسهمه أمامه .. هو يملك نصف البلد بمعنى كلمة النصف , كما أن المناقصات التي يدخل بها .. لا يجرؤ أحد على منافسته عليها والا أطاح بشركته و أوصلها الى حد الافلاس ..
حتى أنه يشاع بأنه ذات مرة , جلد أحد السائقين الخاصين به بالسوط لأنه تسبب في تأخره عن رحلته المتجهة الى منهاتن.. من ما تسبب في خسارته للمرة الأولى في حياته لإحدى المناقصات الهامة .
كانت يارا تحاول ابعاد صوت مشرفها الذي أخذ يعلو في رأسها وهي توشك على مقابلة ذلك الرجل المرعب الذي اختطفها وانتشلها من أحضان فرحة عمرها .
وها هو باب مكتبه الشاهق ينفتح أمامها ليصدح صدى صوته في أرجاء القصر الضخم الهائل حولها ..
.
.
.
.
.
.
.
ترى كيف سيكون مقابلتها بمنصور ؟!
وترى ما اجابة سؤال يارا .. وما رد منصور العالي عليه ؟!
و تُرى من الذي سيُفجر تواجده وحضوره.. مفاجأة لم نتوقعها في ذلك القصر الهائل ؟!
انتظروا الفصل الرابع .. فبه من التشويق ما يستحق الانتظار .
بقلمي
سارة بنت طلال
ملاحظة : سيكون موعد الفصل الرابع باذن الله .. يوم الأربعاء القادم .
تحياتي للجميع مع تمنياتي لكم بقراءة ممتعة .