|
|
#10 |
![]() |
![]() أخذت تلك الشطائر منه واغتال الصمت كل الكلمات على شفاهي وقتها ولكن .. ما ان خرجت صديقتي تركض باتجاهنا حتى أدركت أن صمتي لن يدوم طويلا .. أخذت تصرخ في وجهي قائله : ما الذي يحدث! , لقد ذهبت الى هناك ولم أجدك ثم أتى أخي وأعادني الى المنزل .. ما الأمر بينكما أنتم الاثنين ؟! هل عدتم للشجار من جديد؟. انطلقت اليها ثم احتضنتها وبكيت بشده وقلت : تسألين عن ما يحدث ! ما يحدث أني تعبت بشده و أود أن أعيش فلم أعد أحتمل .. أعيدوني حيث كنت وشكرا لإيوائي . ثم ابتعدت عنها و تمالكت دموعي التي قمت بمواساتها بطرف اصبعي وأكملت طريقي حيث باب المنزل ولكن قبل أن أدخل.. عدت للالتفات وناديته مبتسمه : أيها المتسول .. شكرا على الشطائر . وانتهت تلك الليله.. وفي اليوم التالي استيقظت على صوت الطرق العالي على باب غرفتي لأسمع ذلك المتسول يصرخ : استيقظي يا دميه فأنا حقا مستعجل . قمت بسرعه وفتحت باب الغرفه وانا شبه نائمه وقلت : ماذا تريد ؟ .. لما تزعجني ؟؟ . أجابني : أزعجك لألبي لك رغباتك , ألم تقولي بأنك تعبتي وتودين العيش أيتها الدميه !! .. هيا بسرعه لا تضيعي وقتي قومي بتبديل ملابسك أنا أنتظرك بالخارج . ولأني كنت فعلا شبه نائمه أمسك كتفاي بشده وقام بهزي عدة مرات قائلا : أنتِ ! استيقظي .. استيقظي . ففتحت عيناي مذعوره وأخذت أضربه على صدره لأبعده عني . فأخذ يضحك باستهزاء ثم قال : حسنا أعتقد بأني أيقظتك الآن .. هيا أسرعي أنا أنتظرك بالخارج , خمس دقائق فقط وسأرحل . قمت باغلاق الباب في وجهه وأنا أتذمر قائله : أكرهك حقا أكرهك . بدلت ملابسي وخرجت وما زال النوم يعاكسني, وحين فتحت باب المنزل وجدت ذلك المتسول أمامه , فتحت عيناي بشده وبذهول وأنا أحاول أن أتأكد من ما أراه ,, هل هذه دراجه ناريه حقا ؟؟ . خرجت وأغلقت الباب وتوجهت اليه وقلت : ما هذه ؟ قال : ألا تعرفين ما هي! .. انها دراجه ناريه .. كنت أملكها من مده ولكني قررت أن أستخدمها اليوم فقط , فانتِ شبه نائمه , و الحقيقه أني لا أرغب في حمل أحد مرة أخرى لأخسر ظهري.. فما زلت شابا على ذلك . عندها اكتفيت بنظرة وجهتها اليه وحرصت جيدا على أن يتذكرها طوال حياته . فرد ضاحكا: لأول مرة في حياتي أرى عينان تتحدث بوضوح هكذا .. هيا استقلي الدراجة النارية خلفي بسرعه فقد تأخرت . فأجبته بتعجب : خلفك أنت !! .. بالطبع لا . فقال باستهزاء : حسنا توجهي مباشرة بقدميك الى مقر عملي .. فأنت تعرفينه جيدا . وانطلق بعد كلماته تلك راحلا بدراجته الناريه العتيقه . أخذت أمشي حيث ذلك المرآب الكئيب وأنا أتذمر قائله : يقول مقر عمله! هه .. يا له من متسول.. لو لم أعرفه لاعتقدت بأنه وزير. وصلت الى ذلك المرأب وقد كان ينقل بعض الأشياء ويرتب صندوقا للمعدات , فقلت له : ماذا تريد ؟.. وأيا كان ما تريده أخبرني به بسرعه . أكمل عمله ببرود وهو يعبث بمعداته ثم قال بهدوء : ما الذي أتى بكِ الى هنا يا دميه ؟ . تعجبت من سؤاله وشعرت بالاستفزاز فقلت : انت !! .. هل لديك انفصام في الشخصيه ؟! .. ألم توقظني و تقول بأنك تود أن آتي الى هنا لأنك ستلبي رغباتي ؟؟. أجابني : سألبي رغباتك لأنك تعبتي وتودين العيش أليس كذلك ؟ .. اذن فأنت من يحتاجني لذا توقفي عن التصرف كالأميرات واسمعي ما سأقوله جيدا وفكري به , وان كان لديك حلا آخر فابتعدي وعودي من حيث جئتي وأكملي نومك .. اتفقنا ؟. في قرارة نفسي كنت أعلم جيدا بأني بحاجه لمساعده لذا قررت أن استمع اليه فقلت متظاهرة بالبرود : انا أستمع. فبدأ حديثه قائلا : سنعمل سويا هنا وسأقتسم معك ما أربحه , وفي نهاية اليوم سأعطيك النصف . تفاجأت وقلت بحده : تود أن أعمل لديك ؟؟؟؟ وماذا سأعمل !! في اصلاح المحركات أم في تلميع الاطارات أو ربما سأقوم بتغيير تلك الاطارات وحملها بنفسي .. ألهذا الحد ترغب في أن تراني ذليله أمامك ؟! رد بحده قائلا : قلت سنعمل سويا ولن تعملي لدي .. كما أن تلميع الاطارات واصلاح المحركات الذي ترينه ذل.. يساعدني على اكمال دراستي الجامعيه وبناء نفسي وذلك ما يجعل هذه الحياة تحترمني .. عم الصمت قليلا بيننا وقد شعرت بأنه يحاول أن يتمالك أعصابه ثم أكمل قائلا : اسمعي سيدتي .. أتمنى لو أستطيع أن أعيدك لقصرك ولكن ليس بيدي شيء , كل ما أستطيع فعله هو أن أجعل هذه الحياة تحترمك , وقبل كل هذا أود أن تكوني محترمه أمام نفسك .. ربما لست الأفضل , وربما أنا متسول فقير في نظرك ولكني أناضل لأعيش بكرامه .. فان أردتِ أن أعلمك بعضا من نضالي فابقي واقبلي تلميع الاطارات .. أما ان رفضتي .. فأتمنى أن يكون لديك الكثير من المجوهرات والساعات التي تستطيعين بيعها لتعيشي بكرامه . كلماته تلك كان وقعها علي شديد جدا , وتفاجأت بشده حين ذكر موضوع المجوهرات والساعات , اذن هو يعرف بأني قمت ببيع ساعتي ,, تساءلت ترى كيف علم بالأمر! . هذه المرة ذرفت الدموع ولكنها لم تكن دموعي وانما دموع الكبرياء المنهار بداخلي .. سقطت على ركبتاي وأنا أود الصراخ بكل قوتي ربما يكف القهر عن نحت زوايا صدري .. لكن كل ما تذكرته وقتها ( أبي وأمي),, ترى أين هم عني الآن ؟؟ لما أنا دوما وحدي ؟؟؟؟؟ وفي ذروة انهياري ذهب هو حيث احدى السيارات التي تقف في داخل المرأب وأخذ يعمل وكأنه لا يراني , تركني أبكي أنهار وأتذمر, وبقي يعمل بهدوء حتى هدأت وشد هو انتباهي . أخذت أتأمله وهو يعمل , وشعرت بقسوته وقوته .. حدثت نفسي قائله : نعم هو لم يكذب .. أنا فعلا بحاجه أن أتعلم قسوته هذه ربما أستطيع العيش . وقفت واتجهت له فلم ينظر لي , بل كان يكمل عمله على محرك السياره التي أمامه .. قلت له : ما الذي يتوجب علي عمله هنا ؟. قال بهدوء وهو يشير لي : أترين تلك الجوالين هناك ؟. فنظرت حيث أشار لي وقلت : نعم أراها . قال : كل جالون كُتِب عليه (وقود مهدرج) انقليه الى تلك الزاوية هناك , أما كل جالون كُتِب عليه (وقود) فقط , دعيه كما هو .. وبعد أن تنتهي من ذلك ..أتمنى أن تقومي بجمع مُعداتي المتناثره بقرب ذلك الصندوق الأسود , ورتبيها حسب حجمها .. فأنا غالبا أفقد نصف يومي في البحث عما أريده بين تلك الفوضى . نظرت الى حيث أشار لي , وبدأت أتفحص المعدات وجوالين الوقود و زوايا المكان , ثم عدت بنظري اليه فوجدته يتصبب عرقا رغم البرد القارص والشتاء , ووجدت جبهته قد تلوثت بالشحم كالمعتاد وكم كان يبدو جاد , شعرت حينها بأني أود أن ألوث جبهتي بالشحم مثله فربما ذلك ما يجعله قوي وقاسي . بدأت أعمل و أخذت أسحب تلك الجوالين الثقيله لأني لم أستطع حملها , وحين كنت أفعل ذلك رأيته يخلع قميصه ويلقيه , فتركت ذلك الجالون الذي أسحبه ليسقط أرضا وصرخت به قائله : انت أيها المتسول ..هل جننت ؟ هل نسيت بأني هنا ؟؟ ارتدي قميصك بسرعه . فرد ببرود : عادة أعمل بلا قميص .. و احتراما لتواجدك فقط كنت أرتديه اليوم , ولكني تذكرت بأني كقطتك التي تُقبٍلينها رغم أنك تتحسسين منها , لذا لا أعتقد أن مسألة القميص تهمك كثيرا . اقترب مني كثيرا حتى وقف أمامي تماما ثم قال: أم أنها تهمك ؟. فقلت بخجلٍ مُربَك : بالطبع لا تهمني . فدنى حتى أصبح وجهه قريب من وجهي وقال: في المرة القادمه حين يقوم قط مثلي بخلع قميصه, لا تقومي بالقاء جوالين الوقود أرضا .. فقد تتضرر . ثم حمل تلك الجوالين من أمامي بكل بساطه ونقلها الى تلك الزاوية .. عدت لعملي و أنا أتمنى أن أسكب ذلك الوقود عليه وأحرق ذاك المرأب بالكامل . بقيت أعمل وأنا أعلم بأني لا أتقن أي شيء , ولكني كنت أتبع تعليماته الممله والصارمه فحسب , كان أوقاتا كثيره يتركني أعمل في داخل ذلك المرأب ويخرج لمقابلة الزبائن وفحص سياراتهم , ثم يعود ليتفقدني ويتفقد عملي , فيقوم باصلاح الكثير من ما أفسدته . وفي منتصف ذلك اليوم ناداني فذهبت اليه فقال: حسنا أيتها الدميه .. أعتقد أننا حققنا ربحا جيدا اليوم , انظري ..هذه خمسون دولار ولك نصفها .. خمسة وعشرون دولار. ما ان استلمت ذلك المبلغ حتى ابتسمت ولا أعلم لماذا! , فقد كنت أملك أضعافه مئة مره , ولكن لم أهتم يوما كاهتمامي بالخمسة وعشرون دولار تلك . سألته باهتمام : اذن هل انتهى العمل الآن . فأجابني : ليس بعد .. بقي ساعتين , اذهبي الى داخل المرأب و ستجدي على الطاوله التي أضع عليها الشاي دفتر للحسابات ,, دوني كم كان ربحنا اليوم . دخلت الى هناك فوجدت ذلك الدفتر , قمت بتدوين الأرباح وبعد أن انتهيت , نظرت بين السطور الفارغه فأغرتني كثيرا , وتمنيت لو تغازلها مشاعري عبر القلم, أخرجت الخمسة وعشرون دولارا من جيبي ونظرت لها بسعاده فكتبت : رغم الاختناق... وضيق تفكيرك و النطاق... وأسلوبك الذي لا يطاق... (شكرا).. رغم دموعي والجراح... رغم التعب وقلة الأفراح... رغم جمالي والمرآة المهجوره... رغم الفقر وآمالي المكسوره... (شكرا).. رغم ..... لشدة تعبي وارهاقي احتضن النوم عيناي قبل أن تحتضن قصيدتي نهاية حروفي , فغفوت .. وحين استيقظت ورفعت رأسي من على تلك الطاوله , نظرت الى ذلك الدفتر المفتوح أمامي فتفاجأت بكلماته التي بدأت من حيث انتهيت وكانت تقول : رغم الاكتئاب.. واستمرار مرور السحاب.. فوق حياتي الغائمه... رغم طموح السراب.. رغم لحن الاضطراب.. في ثوراتي العارمه... رغم الجمال في صباكِ.. رغم غرورك وارتفاع سماكِ.. رغم نظرة اليأس في عيناكِ.. يا فتاة الحروف الهائمه... قد أغرقتي شابا قد شاب.. لتبقى سفينة مشاعره .. في ميناء القسوة عائمه... ابقي هنا.. بعيدا عن قلبي والأعصاب.. ابقي هنا.. يا شاعرتي الحالمه... ابقي دون حب كي تبقي دون عقاب.. ولا تسكني بهدوء .. أحلامي النائمه... فيا نجمة من السماء سقطتي.. حولي المشاعر تراب.. و كوني دوما( سيدتي الصارمه) ... فكم أخاف بحبك أن أصاب.. فتنهار بداخلي.. كل زوايا ضلوعي القائمه... قرأت تلك الكلمات جيدا فابتسمت ساخره وحدثت نفسي قائله :هل يحاول استفزازي ذلك المتسول بمزاحه السخيف! .. هه بالطبع سأكون دوما سيدتك الصارمه . قرأت قصيدته تلك مرارا وتكرارا فانتبهت لكلمة (ابقي هنا) .. فخفت كثيرا أن يكون قد تركني وأغلق علي كما فعل سابقا , وركضت بسرعه لأخرج وما ان انفتح الباب حتى شعرت بالارتياح . وجدته يجلس على دراجته الناريه العتيقه ويبتسم وكأنه يعلم كم أنا مذعوره وخائفه من تركه لي , فحاولت استجماع نفسي والتظاهر بالعكس . سألني: تودين أن تركبي خلفي أم تعودين وحدك . قلت بلا اهتمام : سأعود وحدي . وحين كان ذلك المتسول يستعد للرحيل .. تفاجأ كلانا بتلك السياره الرياضيه التي وقفت بتهور بالقرب منا . ثم خرج ذلك الملاك الأنيق وألقى التحيه على المتسول , فتوجه له ذلك المتسول وسلم عليه وهو يقول : اهلا بك .. كيف حالك ؟ وكيف حال أبيك؟ . فرد ذلك الأنيق وهو ينظر الي : بخير . فنظر له المتسول وكأنه انتبه لنظراته فقام بالالتفات حيث أقف أنا وقال : لما تقفين هنا ؟.. بامكانك الرحيل الآن . فقاطعه الأنيق وهو يسألني : كيف حالك يا فتاة المظله ؟. فقلت : بخير . فعاد يسألني مازحا : ألن تعيدي لي معطفي ؟ .. ان لم تفعلي لن أعيد لك مظلتك . أجبته قائله : قلت لك احتفظ بها .. لا أريدها . فقاطعنا المتسول موجها حديثه للملاك الأنيق قائلا : هل تحتاج سيارتك لأي خدمات . فأجابه ذلك الأنيق بغرور قائلا : وهل تعتقد أن سيارة كهذه بحاجه لخدمات ؟! فرد المتسول : حسنا عذرا ربما نلتقي مرة أخرى, ولكن يجب أن نرحل الآن .. تفاجأت بذلك المتسول وهو يسحبني من يدي ويمشي حيث دراجته الناريه , فهمست له حتى لا يسمعني ذلك الأنيق قائله : ماذا تفعل اتركني . فقال وهو يهمس لي : اركبي خلفي بسرعه قبل أن أقول له أنك تعملين لدي في ميكانيكا السيارات . فشعرت بالاستياء الشديد من تهديده لي فأنا حقا لا أرغب بأن أنحرج مرة أخرى أمام ذلك الأنيق ككل المرات الأخرى التي قابلته بها . فنظرت الى ذلك الأنيق الذي ما زال يقف موجها نظراته الي .... . . . . ترى هل سأركب خلف ذلك المتسول على دراجته الناريه ؟ وترى الى أي الحدود سيصل تهور ذلك المتسول ؟! . بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال)
|
|
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| السلسلة , النثرية , بقلمي , شتاء , قلبى |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|