![]() |
السلسلة النثرية ( شتاء قلبي) .. بقلمي
شتاء قلبي بين التجمد والجنون ... كثير من المال .. كثير من الدلال .. في زحمة الحياة لا يفيدون ... هذا ما تعلمته في فصل الشتاء الماضي , حيث أني طوال حياتي.. لم أرى سوى جانب واحد من العملة , وهو ذلك الوجه الحديدي على أحد جوانبها , ونسيت أن الجانب الآخر يعني الحياه بكل ما فيها من بشر.. وتتعدد الصور .. وصورة حياتي قبل فصل الشتاء الماضي داخل ذلك القصر.. كانت مريعة بلا حدود وبلا حصر, ان سألتموني عن هواياتي وقتها ؟ .. فإجابتي ستكون تزيين اظافري بطلاء الأظافر . وان سألتموني عن أكبر أحلامي ؟ فسأجيب أن أتألق دوما بآخر أزياء ماركة شانيل قبل الجميع , هكذا نشأت ابنة وحيدة لأب وأم دائمين السفر .. ربما أراهم في السنة مدة ما بين أسبوع الى شهر .. فحياة الترف تحتاج الى كثير من الكد وليالي من السهر .. حتى دخل ذلك المتسول يومها منزلي وترك لي لعنة القهر .. كنت كعادتي منزعجة بلا سبب .. فمزاجي يتغير على حسب .. ان كانت ابتسامتي تناسب ما ارتديه أو يناسبني أكثر الغضب .هكذا قابلته.. بعد أخبرني بعض حراس منزلي أن هناك من يصر على مقابلتي ويثير الشغب , فطلبت منهم ادخاله .. وما ان دخل حتى وجدت رجل اسمر طويل , يغطي بعض أجزاء وجهه ويديه القليل من الشحم الأسود , ويرتدي قميص مخطط رث المظهر, ويحمل بيده كيس مغلق .. احتقرت مظهره كثيرا.. وتساءلت كيف يستطيع الخروج هكذا من منزله ؟ ,رأيته وقد دخل وكان يستعد للجلوس , فطلبت منه أن يقف قليلا حتى يحضروا له أحد كراسي الحديقه , فبالطبع لم أكن لأسمح له بالجلوس بهذا المظهر على أثاث منزلي . في الحقيقه.. لم أكن أنا فقط من ينظر له باستحقار , فقد لاحظت نظرات سخريته واحتقاره لي ايضا , وذلك حين رد على تصرفي ذاك باسلوب به الكثير من السوقيه و قال : انتي يا قطه ..لا داعي لجلب كرسي فلن اطيل البقاء , جئت فقط لأرد هذه الحقيبه وأصررت على اعطائها لأصحاب المنزل شخصيا حتى لا تفقد بين ايدي العاملين هنا فتتهمونني بها . وبدأ يخرج من الكيس الذي يحمله تلك الحقيبة التي ما ان رأيتها حتى أصبت بالجنون وسحبتها منه قائلة : حقيبتي !! يا الهي كيف وصلت عندك ؟ ومن سمح لك أن تلمسها بيديك هذه ألا تعرف كم قيمتها ؟!! .. وقف يعلو وجهه الذهول ورد قائلا : لا أعرف قيمتها لأنها ليست من أولوياتي ..ويبدو انك أيتها الآنسة تملكين من التفاهة ما يجعلك بلا أولويات.. والا لما فقدتيها وانتِ تعلمين قيمتها . رددت عليه حينها وقلت : أو ربما تعرف قيمتها جيدا وأحضرتها هنا لتخبرني بمدى أمانتك لعلك تنال مكافأة أكبر من قيمة هذه الحقيبة .. اخرج من منزلي الآن وفورا ايها المحتال المتسول ,فمنزلي يأوي من الخدم ما يكفي. .. وتركته ليرحل من حيث أتى خلفي .. واتجهت لأكمل ثورة غضبي وأصرخ متذمرة من كل شيء ..وبالطبع لدي الحق في ذلك; فأنا لم أشرب قهوتي الفرنسية منذ الصباح فكيف سأسيطر على أعصابي!! .. آويت يومها الى فراشي , ولم أعلم أنها آخر ليلة أنام فيها بين وساداتي من الريش الفاخر , لأستيقظ في اليوم التالي حيث صراخ الخدم , وازعاج, وطرق أبواب , و رجالا قد ملأوا منزلي يحملون كل ما يوجد في المنزل .. من أثاث , من تحف , من كل شيء , أصبت بالذهول وأخذت أصرخ : ما الذي يحدث ؟ . وأركض من زاويه الى أخرى أصرخ وأتساءل : من هؤلاء؟! . حتى رأف بحالي أحد هؤلاء الرجال وأجابني : يا آنسه هذا المنزل قد حجز البنك عليه .. وحجز على كل ما فيه حتى تسددون ديونكم . صرخت بوجهه عندها : أي ديون أيها المجنون . وتعالت الأصوات حتى رن هاتفي ورأيت رقم والدتي على الهاتف , فأجبت فورا لتفاجئني وتخبرني بأن أسهمنا سقطت وأننا أفلسنا كليا .صرخت قائلة : امي انهم يخرجوني من المنزل الى أين أذهب ؟!. فأجابتني قائلة: حاولي البقاء عند احدى صديقاتك هذه الفتره . وقد كان صوت امي لا يطمئن حتى أنها أغلقت مني بسرعة شديدة , وحين حاولت مكالمتها لم ترد .. دخلت غرفتي لا أعرف ما أفعل! , أخذت كل ما استطيع أن أحمله من حاجياتي وأخرجوني من المنزل , لأرى نفسي وسط خدمي والعاملين لدي أقف في الشارع , وأراهم يرحلون على الأقل يملكون منازل , و أنا حتى السيارات الخاصة بي قاموا بالحجز عليها وحتى بطاقاتي المصرفية أصبح لا قيمة لها . في وسط الشارع .. خوفي وقلقي أصارع .. لم أذق يوما الذل والهوان .. لأسقط اليوم بين الغنى والفقر أنازع .. أخذت الأفكار تدور في رأسي الى أين سأذهب؟ وكيف أقول لصديقاتي أني أفلست ؟!! لا لا مستحيل.. لا يمكن أن أخبرهم بذلك .. لا يمكن أن يروني يوما كذلك .. فأنا في أعينهم الأميره الأنيقة .. أنا سيدة ذلك القصر الرقيقة .. ربما هذا حلم !! ولكن لما أشعر بالبرد ان كنت أحلم ؟؟ ارتديت معطفي الأنيق .. وبقيت وسط الطريق .. أفكاري تشتعل حريق .. فماذا سأفعل ؟؟؟ حين تصبح للتفاهة فنون ... حين نبني العلاقات على أساس من الجنون ... حين كان المال .. فقط المال.. ولم نضع لفقده .. أي احتمال.. حين يصبح الناس في الحياه يُقَيًمون ... فقط بما يرتدون ... عدا ذلك.. فليس هناك قانون ... اما انسان أنيق تعشقه العيون ... أو شخص عديم الفائده .. من ذوي الدخل الغير مضمون ... هكذا صنفتهم يوما .. وهكذا (فقط) فهمت جملة هاملت: أكون أو لا أكون ... ولكن عندما يهاجم الشتاء قلبي ترى من سأكون ؟... حين أسقط من قمتي حيث على أرض الواقع يهبطون... حين يقرر القدر.. أن يعلم البشر.. ما لا يعلمون... ترى من سأكون؟!!... حين يصبح التصنيف عادل .. والقمم لمن يجتهدون... ولا مكان لمن على عرش زائف يولدون... أو على ظلال الترف يطغون... عندها فقط يصبح السؤال (؟) .. هل أكون أو لن أكون ؟؟ .... بعد بقائي في ذلك الطريق بكل ما أحلمه من أناقة ولكن بلا مأوى ..ماذا سأفعل ؟؟ و ترى من سيأويني؟ وهل سأتحمل الصفر بعد ملايين المراحل من الترف؟ .. كيف سأتصرف ؟ وترى كيف سيستقبلني الفقر؟.. وكيف سأقابله ( أنا) سيدة القصر .. تابعوني في الجزء القادم من (شتاء قلبي) وستعرفون الاجابة . بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
كسرتني .. بقلمي (الفصل الثاني من سلسلة شتاء قلبي)
بعد خروجي من قصري وبعد جلوسي في وسط الطريق أصارع أفكاري .. وبعد أن اتخذت قراري .. بأن لا أخبر أحدا عن ما جرى لي .. فالموت أفضل من أن أذل لأحد يوما . بقيت في الشارع حتى غربت الشمس وأنا مصدومة , و لا أعرف ماذا أفعل؟ , رفعت هاتفي النقال وأخذت أبحث بين الرسائل النصية لعل هناك أحد قد سأل عني , ولكني لم أجد شيئا , وحين أردت ادخال هاتفي في الحقيبة تذكرت تلك الرسالة التي وصلتني من مده وكانت تقول: ( صديقتي حقا الشوق لأيام طفولتنا يغلبني ) .. تذكرت تلك الفتاة التي ترسل لي رسائل نصية كل فترة وأخرى , كانت صديقتي حين كنا في المدرسة, ولكنها ما زالت تراسلني رغم أني أتهرب منها منذ دخولي للجامعة , ولا أرد على اتصالاتها , فهي لا تشابهني أبدا , حتى أنها لا تستطيع أن تنسق لون حذائها مع لون حقيبتها .. فكيف أنسق أنا بيني وبينها !! . بقيت أفكر بها قليلا ثم حدثت نفسي قائلة : لا أعرف حقا لما أفكر بها؟ ولكن يجب أن أفكر في حل والا سأموت بردا تحت أكوام الثلج المتراكم . رفعت هاتفي وبحثت عن رقمها واتصلت بها , ومن حسن حظي أنها ردت علي وكانت سعيدة بمكالمتي , تحدثنا قليلا وأخذت أرص لها أعذار تهربي منها , ثم أخبرتها برغبتي في رؤيتها لأمر ضروري , فلم تمانع , أخبرتها بأن تلتقيني في الحديقة العامة وأن تحضر لي معها القهوة الفرنسية , فوافقت .. ولكنها أخبرتني بأنها ستتأخر قليلا لظروف عملها , ذهبت الى الحديقة العامة أنتظرها , وكلما كان الوقت يمضي كلما كان البرد يشتد , كنت أشعر بأني ضائعة ومتعبة.. مشاعر كثيرة في داخلي مضطربة.. نظرت للسماء راجية من الله أن لا تمطر.. فالوضع لا يحتمل أكثر.. وأخيرا أتت صديقتي تلك , وما ان رأتني حتى سلمت علي بحرارة , ثم نظرت لي وقالت : ما هذه الحقائب هل ستسافرين ؟ , ناولتني القهوة وأكملت قائلة : هذه قهوتك يبدو اني تركتك تنتظريني حتى تجمدتِ. أجبتها : لستي السبب كنت سأنتظر على أي حال. , قالت : أخبرتني أن هناك موضوع مهم ما الأمر ؟ . حين أردت أن أخبرها بدأ أنفي بالرعاف, فناولتني هي بسرعة بعض المحارم الورقية وصرخت قائلة : يا الهي هل ما زال هذا يحدث معك في البرد !! أخبرتك أني سأتأخر لما أتيتي باكرا وانتظرتني ؟!! , عندها أخبرتها بكل ما حدث معي .. فقالت : لا أصدق لما لم تخبريني فورا حين اتصلت بي؟ لما انتظرتِ حتى الآن لتخبريني ؟.. هيا قومي ستذهبين معي الى المنزل . , فقلت لها : لا .. لا بأس فقط ان كان بالإمكان أن تعيريني بعض المال حتى أجد مكان أبيت فيه الليلة وغدا سأحاول أن أتصرف . ,عندها وقفت بحزم وقالت : لا ستأتين معي . فقلت لها : ألستِ متزوجة ؟ . , أجابتني : نعم ولكن زوجي قد سافر منذ مده وانا حاليا أسكن مع أخي وتأكدي أنه لن يمانع تواجدك فكفي عن الثرثرة وهيا بنا . استسلمت لدعوتها فليس هناك حل آخر على الأقل لهذا اليوم فقط . في الطريق كانت تكلم أخيها وحكت له ظروفي , وما ان أغلقت الهاتف حتى قالت لي :هو يرحب بك بشده. , اجبتها بابتسامة أخفيت خلفها الكثير من الألم على حالي وكنت أردد داخلي: أنا لا أحتاج لأحد سينتهي هذا الكابوس وأستيقظ. وصلنا الى منزلها ففتحت الباب ودخلت هي متجهة في أرجاء المنزل لتغلق النوافذ , ودخلت أنا أسحب خلفي حقائبي وأجول بنظري عبر زوايا ذلك المنزل, كان عبارة عن دور واحد صغير جدا , نظامه يشبه بعض الشيء نظام البيوت الأمريكية فالمطبخ مفتوح على الصالة , والصالة عباره عن مجلس صغير به تلفاز صغير , كل شيء في ذلك المنزل كان يحتاج الى عدسة مكبرة . بعد لحظات سمعت صوت رجل يأتي من خلفي ينادي باسم صديقتي ويقول : اخيرا وصلتي الطقس بارد جدا الليلة . التفت لأراه وصعقت عند رؤيتي لنفس القميص المخطط المثير للاستياء , نعم أعتقد أنه هو ذلك المتسول الذي طردته البارحة من منزلي , أتمنى من الله أن لا يكون هو أخوها , ولكن ما ان نظر الي حتى تحولت نظراته لسخرية ثم قال: اهلا بك يا قطه. بقيت صامته مذهولة حتى انتهت صديقتي من غلق النوافذ واقتربت من كلانا قائلة : هذا هو أخي.. وهذه هي صديقتي منذ كنت في المدرسة , والتي حكيت لك عنها في الهاتف قبل قليل . ثم نظرت لي واكملت : سأذهب لأعد لك غرفتي ارتاحي هنا قليلا . دخلت هي وتركتني معه وانا صامتة ومربكة . فقال لي : انتظري لا تجلسي سأذهب لأحضر لك كرسي من كراسي الحديقة.. اوه ليس لدينا حديقة نسيت ذلك , ولكن من حسن الحظ أن المنزل ليس به خدم لذا نستطيع أن نأوي واحدة ما رأيك ؟ . عندها جن جنون كبريائي ولم أتكلم بكلمة , سحبت حقائبي واتجهت للباب وهو ينظر لي ولم يحاول أن يوقفني حتى . خرجت مسرعه من ذلك المنزل و بقيت أمشي في الشارع .. حتى ظننت أن السماء أيضا لم تقاوم ذلي و بكت أمطارا غزيرة أغرقتني وأخفت دموع كبريائي تحتها, كم بدا الشارع مخيف ليلا وكم كنت متعبة جدا , وضعت حقائبي أرضا وجلست عليها مبللة بالمطر وللحظة ظننت أني حقا سأموت بردا , أردت فقط أن أغمض عيني ولكني سمعت أصوات ضجيج لمجموعة رجال كانوا قادمين في اتجاهي فخفت كثيرا ووقفت مره أخرى أحمل حقائبي وأسارع في خطواتي حتى سمعتهم يضحكون فزاد ذلك من رعبي وركضت بسرعة لأجد قدماي لا شعوريا أخذتني مره أخرى الى منزل صديقتي وأخيها المتسول , وطرقت الباب ففتح ذلك المتسول الباب وحين رأيته ارتبكت ولم أعرف ما أقول ثم جمعت ما تبقى من قواي و قلت : أتعَبَتني... دنياي كذبت علي .. خدعتني... أعطتني حتى ملكتها.. ونسيت أنها .. ملكتني... بين أناملها أمسكتني... قَبلتني... ودارت بي فرحا .. فرفعتني... نجمه في سمائها علقتني .. كنت كذلك .. هي جعلتني... ثم ملتني... كثيــــــــــــــــــــــرا أغرتني... ثم ملتني... وما ظننت يوما أن بحسنها قد تفعل .. ببســـاطه سئمتني... والآن.. نعم ألقتني... وها أنا أعرج هربا.. تطاردني بأقدامها وأصرخ ألما.. لكن نجحت .. كسرتني... بدموع فقير بعد غنى قهرتني... لا ينقصني ذلكم يا بشر .. ألا يكفي أنها أذلتني ؟؟!!... بعد قولي لتلك الكلمات خر جسدي المتجمد أرضا وفقدت وعيي أمام ذلك المتسول .. ترى ماذا سيحدث وهل سيساعدني ويسمح لي بالبقاء في منزله؟ .. وكيف ستكون مواجهة كبريائي معه ؟.. تابعوا ذلك في الجزء القادم من (شتاء قلبي) . بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
يبارز بقوته ضعفي .. بقلمي ( الفصل الثالث من شتاء قلبي)
بعد أن فقدت وعيي أمام باب ذلك المتسول .. فتحت عيناي لأجد نفسي داخل أحد الغرف في ذلك المنزل الذي ربما يكون متكون فقط من غرفتين لا أكثر , فعرفت عندها أنهم أدخلوني الى منزلهم , تساءلت : الهى ما هذه الغرفة ؟! أشعر أني أنام داخل علبة كبريت .. أليس ذلك منافي لحقوق الانسان ؟! . ثم توقفت للحظات فحذائي المبلل بالمطر يضايقني , قمت بخلعه.. ثم بدأت أسمع صوت نقاش صديقتي وأخوها خارج الغرفة التي كنت بها , اقتربت من الباب لأسمع جيدا ذلك النقاش ... هو : تلك الفتاة لن تبقى هنا في منزلي .. اعلمي بأني لن أسمح بذلك. هي : لم أعتقد يوما أنك ستسمح لحوار تافه حصل بينك وبينها بالصدفة , أن يفقدك انسانيتك وشهامتك . هو : ما الذي تتحدثين عنه ؟!.. تلك الفتاة مغرورة جدا كما أنها دمية بلا عقل , وحتى ان وضعنا كل ذلك جانبا .. فانظري لمظهرها وانظري الى الحي الذي نعيش فيه, ستجلب لنا المشاكل انا متأكد من ذلك .. كما أنها طردتني سابقا من بيتها ووصفتني بالمتسول فلما علي تحملها ؟؟؟. هي : لأنها صديقتي , ولأنها لجأت لي , ولأنها فتاة ..كيف ترمي بها في الشارع !!.. هل تتخيل لو أن هذا يحدث لي ؟ أرجوك أخي أرجوك .. اسمح لها بالبقاء من أجلي أرجوك . هو : الهي أمدني بالصبر .. حسنا سأسمح بذلك ولكن لا تتدخلي في طريقة معاملتي لها .. مفهوم ؟ . هي : لن أعترض ولكن رفقا بها . ثم سمعت خطواته قادمة باتجاه الغرفه التي كنت بها , فركضت بسرعة واستلقيت على السرير كما كنت , وتظاهرت بأني ما زلت فاقدة الوعي , وحين دخل قال : هيه أنتي ..توقفي عن التظاهر فلا أعتقد بأن الحذاء خلع نفسه بنفسه. لم أرد وبقيت أتظاهر بأني فاقدة الوعي .. فقال : حسنا بما أن ملابسك مبللة سأعطف عليك وأبدلها لك. ووضع يده على ازرة قميصي فقمت بسرعة وصرخت : ابتعد !!. فرد قائلا : هكذا حين أقول توقفي عن شيء ..فتوقفي عنه فورا والا لن تجدي ما يسرك . دخلت صديقتي تحمل كوب ساخن وناولتني اياه قائلة : اشربي هذا حتى يعود الدفيء الى جسدك . سألتها : ما هذا ؟! .. أشكرك ولكني لا أحب شاي التوت ؟. أجابني هو عندها باستهزاء : شاي التوت ! ..هل تعتقدين بأني سأقدم لك شاي التوت يا أميرة ؟! , انه الزنجبيل , اشربيه لأني لا أود رؤية جثث في منزلي . ثم خرج مغلقا باب الغرفة خلفه بقوة . نظرت لي صديقتي وقالت : انا اسفة لا أعلم ما أقول ... , فقاطعتها قائلة : لا تقولي شيء اذهبي لتنامي أنا متعبة أصلا ولا أود سماع شيء .. أشكرك على اهتمامك بي . خرجت عندها صديقتي وتركتني , وبكيت يومها حتى طلب البكاء من عيوني أن تنام . بقيت في تلك الغرفة ليومين خوفا من لقاءه ومن كلماته القاسية , وكانت صديقتي تحضر لي الطعام الى الغرفة , وكنت أسترق السمع دوما فجدران ذلك البيت كانت تساعدني على ذلك , حتى بت أعرف مواعيد خروجه ودخوله الى المنزل , فقررت بعد يومين أن آخذ حماما دافئ فحقا أشتاق لذلك. انتظرت حتى خرج ذلك المتسول الى عمله الذي لا اعرف عنه شيئا وانطلقت فورا الى دورة المياه , ولكني أردت أن أسترخي كعادتي .. فملأت المغطس بالماء وأحضرت زجاجة البن من المطبخ وسكبتها بالكامل في المياه الموجودة في المغطس , وأخذت أسترخي فذلك ما تعلمته من الدروس الصينية لشحن الطاقه , ولكن برودة الماء والديكور السيء لدورة المياه تلك لم يسمح لي بالاسترخاء , فارتديت ملابسي وعدت الى تلك الغرفة أحاول جاهدة تصفية ذهني علي أجد حلا يريحني من هذا المنزل وصاحبه اللئيم , ولكن ما ان جاء عصر ذلك اليوم حتى سمعت صراخ ذلك المتسول في أرجاء المنزل .. وفجأه وجدته قد فتح باب غرفتي قائلا : قد وجدت زجاجة البن هذه فارغة في دورة المياه ماذا كنتي تفعلين بها ؟. , سكتُ عندها ولم أقل كلمة فأنا لا أود الاشتباك معه وصديقتي غير موجوده , ولكنه أعاد سؤاله صارخا بكل قوته قائلا: أجيبي على سؤالي ماذا كنتي تفعلين بها ؟. أجبته : لا تصرخ بي ..قد سكبتها في المغطس حتى أستطيع الاسترخاء والتخلص من صوتك المزعج. عندها وجدت علامات الذهول قد ارتسمت على وجهه ثم قال: سكبتي زجاجة البن كاملة في المغطس لتسترخي ؟!! أجبته : نعم .. ولا تخبرني أنك ستشتبك معي الآن من أجل زجاجة بن ثمنها أقل من خمس دولارات, هه انك حقا متسول . عندها أمسك بذراعي بكل غضب وسحبني خارج المنزل ومضى بي في الشارع وهو يقول: حسنا سأريك الآن كيف يسترخي المتسول . كان يسحبني بقوة ومن شدة خوفي منه كنت أصرخ وانا صامتة فصوتي يأبى الخروج , فلم يعاملني أحد هكذا من قبل , كل ما كنت أقوله وقتها : اتركني .. أتظن أني خائفة منك .. أنا لست خائفة ... حتى توقف فجأة أمام مكان يشبه المرأب ورمى بي في داخله وقال : هنا أقضي كمتسول وقتي, حيث أقوم بتصليح محركات السيارات أمثال سيارتك الفارهة.. لأجد بها حقيبة تافهة مثل صاحبتها , هنا فقط تتحول يداي الى الفحم , بفضل كريم العناية من زيت السيارات والشحم الأسود .. لأحصل على خمس دولارات أشتري بها زجاجة بن تسكبينها في المغطس لتسترخين بها .. سئمت تفاهتك أيتها الدميه الفارغة .. لكن أتعلمين ستعيدين تلك الخمس دولارات اليوم ..سمعتي ؟. ثم أشار لي حيث سيارة قديمة جدا كانت مركونة في زاوية ذلك المآرب وقال : ستنظفين هذه السيارة بالكامل وتقومين بدهن كل مسمار فيها بالشحم الأسود سأعود بعد ساعتين ومن الأفضل أن تكوني أنهيتي ذلك عندها . ثم توجه خارجا من ذلك المآرب وأغلق علي ذلك الباب بالأقفال وسط صراخي وطرقي , لأستوعب بعد دقائق أنه رحل وحبسني في الداخل , نظرت حولي لأجد الكثير من الخردة والكثير من الفوضى , كان يعتريني شعور بالخوف الشديد.. خاصة وأني أكره الظلام, وذلك المآرب كان يدخل من بعض زواياه المتهالكة القليل من ضوء الشمس التي شارفت على الغروب , وما ان غربت .. حتى غرب الأمل في وجهي , وتعالى صوت بكائي .. شعرت يومها أن قلبي يرجف في داخلي فقد كرهت الظلام دوما , كم يذكرني بصوت الصمت في داخلي حين كانت تحبسني مربيتي في صغري داخل غرفتي رغما عني حتى أنام.. وان لم أفعل فلن تسمح لي بالسهر حين تعود والدتي ووالدي من السفر , كان صوت بكائي يومها يشبه كثيرا صوت بكائي حين كنت طفلة في تلك الغرفة المظلمة , لم يحطم وقتها صوت بكاء الذكريات في رأسي سوى صراخي قائلة : أخرجنــــــــــــــــي . وبدأ البرد ينخر عظامي وينتشر في المكان .. ومضى على ذعري ساعتان .. ولم يأتي . أصابني رعاف البرد المعتاد , وأخذ أنفي ينزف , فاستلقيت على الأرض وضممت قدماي الي وأخذ الوقت يمضى والساعات تمضي حتى بدأت بالهذيان .. أخذت أتسلى بدموعي فآخذ منها قطرات على أناملي وأكتب على بعض الغبار بجانبي على الأرض بعض الكلمات ,, أذكر أني كتبت : يبارز بقوته ضعفي... يحاور دموعي ببراعه... يحفر الذل في جوفي... ويذبح كبريائي بشجاعه... في بحر قسوته لقيت حتفي... وتوصلت معه الى قناعه... تافهة أنا في حرفي... وهو ليس رجلا في صراعه... خاطب تفاهتي باللطفي... ولا تجبرني على الولاء و الطاعه... لا تملكني ان ملكت خوفي... ولن تفقدني ان أعلن عقلي انصياعه... اكسبني باللين أو بالعطفي... فالمركب لا يمضي ان خلعت شراعه... وعن غلطاتي غض الطرفي... واتركني اناور في طلبي شفاعه... في بعض الصراحة العنفي... والجمال في الكلمة صناعه... تبني حضارة ولا تخفي... شعبا بالغ في صنع ضياعه... المشكله.. لا في مالي ولا في ترفي... المشكله.. في قوم قد قبلوا المجاعه... ففريستك اليوم أصبح وصفي... وسقطت في زمن الكل به جياعه... فلا أعجب ان كسرت أنفي... ولا أعجب ان عاملتني ببشاعه... وأجبرني البرد على الهدوء , أغمضت عيناي فذكريات طفولة مرهقة تطاردني .. لا أذكر شيئا بعد ذلك سوى بعض شعاع الشمس الذي أشرق بصباح اليوم التالي مع صوت أقدامه المسرعة حين فتح ذلك الباب وأقترب مني يصرخ : يا الهي لم أقصد ذلك حقا لم أقصد ذلك .. لا أعلم كيف نسيتك , هل انتي بخير ؟ ثم قام بحملي .. ففتحت عيناي ونظرت لعينيه مباشرة وقلت : أنا أكرهك . وأغمضت عيناي مرة أخرى ترى هل سأبقى أغمض عيناي كل مره عن الحياة وأنا متعبة ومرهقة بسببه ؟؟ بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
أبدعتي كعادتك يا أجمل شاعرة، أنتظر منكِ المزيد بشوق وشغف😍
|
حبيبي انتي عيوني لكِ .. وان شاء الله الاجازة كلها بأقضيها أكتب لك يا روحي ^_^.
|
اعتادي على العيش ترابا .. الفصل الرابع (شتاء قلبي)
ما ان افقت من غفوتي تلك التي دامت يوم كامل بعد اصابتي بالحمى.. حتى وجدت ذلك المتسول بجانبي هو وصديقتي . كنت أستفيق قليلا ثم أعاود النوم , كنت أحاول دوما أن أوهم نفسي بأن كل ما أمر به هو مجرد حلم لا أكثر , حتى توقفت عن المحاوله وقررت أن أستجمع قواي وأفتح عيناي , وأول شيء فعلته حين استيقظت وقمت باستيعاب وجوده بجانبي هو البكاء , عندها سمعت صديقتي وهي تقول له بحده : اخرج رجاءاً . بعدها سمعت باب تلك الغرفه يغلق بقوه فعرفت أنه خرج , شعرت وقتها بالجو المشحون بين صديقتي وأخيها المتعجرف , اقتربت صديقتي مني بعد ذلك .. وحاولت أن تشرح لي ما حدث . وعلمت منها أنها حين عادت الى المنزل , لم تكن تعرف أن أخيها المتسول أخذني الى المرأب , بل ظنت أني خرجت وتأخرت خارج المنزل , فأيقظته حيث كان نائما طالبه منه مرافقتها للبحث عني , وعندها فقط تذكر هو أنه وضعني في ذلك المرأب الخاص به ونسيني هناك . بعد أن هدأت الأجواء بيني وبين صديقتي ومضت عدة أيام دون أن أرى ذلك المتعجرف , كنت أسترخي كعادتي على ذلك السرير , كنت أفكر في كافة الاحتمالات ... وكنت غاضبه جدا وناقمة بشده على هذه الحياة ... بقيت نائمه على ذلك السرير أتقلب من جهة الى أخرى , وكأني أتقلب على حافة الانهيار.. ما بين العودة الى قصري وما بين أن يكون الموت أفضل خيار .. عندها فقط قررت أن أهرب من كل الأفكار.. فربما ان أغمضت عيني لن أحتار .. ولكن صوت هاتفي النقال أنقذني من تزاحم عبارات اليأس في رأسي . أجبت بسرعه.. فقد كانت صديقتي .. سألتني عن أحوالي ثم قالت: اسمعي.. أعلم أنك تكرهين رؤية أخي ولكن زوجي المسافر يحتاج الى بعض الأوراق الرسميه .. وقد نسيتها على طاولة الافطار صباحا , هل بإمكانك أن تقومي بإيصالها الى أخي في مكتب البريد حتى يستطيع ارسالها له ؟ فأنا لا أستطيع الخروج من عملي الآن, ولكن أعدك أن أحضر لك قهوتك الفرنسيه حين أعود الى المنزل .. أرجوك وافقي . تنهدت بملل ثم أجبتها : حسنا سأفعل. وما ان أغلقت الهاتف حتى بدلت ملابسي وأخذت تلك الأوراق حيث مكتب البريد الذي وصفته لي , وأثناء ذهابي الى هناك شعرت بأن قدماي تصرخان من التعب , فقد مشيت الى مكتب البريد ذاك وقد كان بعيد بعض الشيء , وحين وصلت الى هناك .. وجدت ذلك المتسول ينتظرني فأعطيته تلك الأوراق , وما ان استدرت لأرحل حتى ناداني بارتباك قائلا : انتظريني قليلا .. ثم أكمل : سنعود سويا في سيارة أجره . لم أستدر لأراه ولكني أجبته وأنا أعطيه ظهري قائله : لا أريد منك شيئا . فقال ببرود : حسنا ارحلي . استدرت بعناد و قلت : لا .. بل سأنتظر أن تحضر لي سيارة أجره , فأنا أستحق ذلك.. خاصة واني لا أعمل لديك حتى أقوم بإيصال الأوراق لك مجانا . أجابني ببرود : حسنا انتظري . استغربت كثيرا هدوءه وبروده واحترامه لي , لدرجة أني تساءلت ما ان كان مصاب بانفصام في الشخصيه . وأثناء انتظاري , لفت انتباهي ذلك المتجر أمام مكتب البريد , كم أعشق تلك الماركه , اقتربت من ذلك المتجر وكأني أطير اليه دون أن أشعر , أخذت أراقب تلك الموديلات الجديده لفصل الشتاء , لم يتسنى لي هذه السنه التأنق بها, أخذت أنظر اليها وأتذكر الماضي .. حيث أن تلك الموديلات كانت تصلني الى قصري ما ان أعطي أوامري بذلك , أما الآن.. فأنا أقف خلف الزجاج أتمنى لمس أحد تلك الفساتين. أخذت أحدث نفسي قائله : آآآآآه من المؤكد أن أخبار افلاسي تنتشر الآن بين منافساتي في ذلك العالم , كم أتمنى لو أستطيع الظهور بذلك الفستان المعلق هناك , فسعره ثمانية آلاف دولار , مؤكد أن ذلك السعر كافي لرد اعتباري وتكذيب تلك الأخبار عن افلاسي .. آآآآآآآآآآه لو أستطيع أخذ مجرد صوره به . بقيت كلمة صوره تدور لدقائق في ذهني حتى قررت تنفيذ تلك الفكره , فعلى كل حال لا أملك ما أخسره, كما أنهم ان قاموا بسجني فسأجد مأوى آخر بعيدا عن ذلك المتسول . عدلت هندامي ودخلت ذلك المتجر بكل غرور وكبرياء , رفعت هاتفي النقال وتظاهرت بأني أتحدث لأحدهم صارخه :أين أنت ؟ ألم تسمع ما أقول!! أحضر سيارتي البورش بسرعه لدي موعد مهم . ثم أنزلت هاتفي وكأني أغلقته وقلت موجهه كلامي للبائع : كم سائقين هذه الأيام متعبين . فهرع ذلك البائع الي قائلا: كيف أستطيع أن أخدمك يا آنسه . قلت : هل يوجد اللون الأسود من ذلك الفستان هناك؟ . البائع : لا فهذا الموديل لا يوجد منه سوى قطعه واحده فريده . قلت : لا بأس.. أعطيني اياه سأجربه في غرفة القياس , وان ناسبني سأسجل طلب خاص ولكن باللون الأسود .. فدائما ما أفعل ذلك . فأعطاني البائع ذلك الفستان وأشار لي حيث غرفة القياس , ولكن قبل أن أدخل لتلك الغرفه رأيت ذلك المتسول يلمحني من خارج المتجر , فأسرعت بسرعه الى غرفة القياس ولبست ذلك الفستان .. ولكن حين أردت التقاط صوره لنفسي بهاتفي النقال لم أستطيع , فأدركت بأن ذلك المتسول ربما يفيدني في التقاط صوره لي بذلك الفستان . قمت بفتح ستارة غرفة القياس قليلا ورأيت ذلك البائع مشغول في ترتيب بعض البضائع , فأشرت للمتسول حتى أتى حيث أنا في غرفة القياس , أغلقت الستاره وقلت له : بسرعه خذ هاتفي والتقط لي صوره , أسرع قبل أن ينتبه البائع . رد علي قائلا: هل جننتي؟ ماذا تفعلين !! هذه ماركة مشهوره , ان أمسكوا بك .... وقبل أن يكمل كلامه وضعت يدي على فمه ووضعت هاتفي في يده وقلت : التقط لي صوره بسرعه . فأمسك بهاتفي والتقط لي تلك الصوره أخيرا .. ولكن المشكله أني نسيت اطفاء الفلاش في كاميرا هاتفي , ولذلك أصدرت صوتا أثناء التقاط الصوره .. فسمعت صوت خطوات البائع المسرعه تقترب , وأدركت أنه سيمسك بي . لذا أخذت ذلك الهاتف بسرعه من يد ذلك المتسول , وقفزت لأعانقه وأطبع قبله على وجنته .. وفي تلك اللحظه فتح ذلك البائع الستاره ما بين ذهول ذلك المتسول وأحمر الشفاه المطبوع على وجنته , وما بين علامة الاستفهام على وجه ذلك البائع . وقتها نظرت للبائع بثقه وقلت : كيف تفتح الستاره هكذا ؟. ألم ترى خطيبي وهو يدخل لأعرف ذوقه في الفستان .. كم أنت وقح !!. البائع : آسف .. فقد اعتقدت خطأ بأني سمعت شيئا , لذا أردت التأكد من أن كل شيء على ما يرام.. ثم أخذ يوجه اعتذاره لذلك المتسول قائلا : اعذرني يا سيدي لم أراك وأنت تدخل . كان ذلك المتسول مصدوم ولم ينطق بكلمه , لذا حاولت تدارك الموقف وقلت للبائع : هل تسمح أن تخرج حتى أرتدي ملابسي . ثم نظرت للمتسول بنوع من الرقه وقلت : حسنا عزيزي أعتقد أن الفستان لم يعجبك .. كما أني كنت أفضل اللون الأسود . خرج المتسول وهو في قمة الصمت , وارتديت ملابسي وأرجعت ذلك الفستان وما زال البائع يتأسف حتى أوصلني عند العتبة الخارجيه لذلك المتجر . وما ان خرجت وأبتعدت قليلا حتى أخذت أتفقد بسعاده تلك الصوره في هاتفي , فأخيرا أستطيع نشرها على جميع مواقع التواصل الاجتماعي الخاصه بي ورد اعتباري . فجأه وجدت ذلك المتسول يمسك بي ويصرخ قائلا : أنتِ .. ما الذي فعلتيه هناك؟! , ما علاقتك بي حتى تقبلينني هكذا بلا حياء !!. أجبته قائله : بالطبع لا علاقة بيننا , فلا تظن بأن بقاءك بجانبي ذلك اليوم وحملك لي أو ايصالي بسيارة الأجره سيجعلني أحبك , ما زلت أكرهك .. قد كانت قُبله كالتي أُقبِلها لقطتي تماما رغم أني أتحسس منها . عندها اشتعل غضبا قائلا : لست قطتك يا تافهه أنا رجل . نظرت له باستهزاء وقلت : حسنا يـــــا سيد زمانك وما للزمان غيرك رجل ... لا أبغي أمانك ما للأمان فيك أمل ... وقبل أن أكمل كلامي نظر لي بعصبيه وعيناه تشتعل ثم قال: اسمعيني جيدا وحاولي أن تحفظي ما أقول : أبقى بجانبك لا حبا ولا اعجاباً ... ربما تأنيب ضميري دق في قلبي باباً ... فلا تنزفي الشعر حبراً ! .. ولا ترمي بالحروف نثراً !.. ان كنتي لا تعرفين للبؤس اعراباً... تسرقين الكحل من عينين المها.. وتلبسين الحسن ثياباً ... فلما تُقَبِلينني فقيرٌ أنا.. سقته الدنيا من الذل شراباً!! ... فان هز البرد أغصان غروركِ يوماً.. فشتاء الحب يعصف بمن مثلي سراباً... فلا تعانقيني بقبلاتك.. وان تعددت لتفاهتك أسباباً... فلم أكن ناقصا من الهم حتى .. تزيدني دنياي بمثلك عذاباً ... يا نجمةً من السماء سقطتي .. اعتادي على العيش تراباً ... بعد أن ألقى في وجهي تلك الكلمات.. ترى هل سيأخذني معه في سيارة الأجره الى المنزل؟ .. وترى الى متى سيستمر الصراع بيننا ؟, ومن هو النقيض الذي سألتقيه قريبا!! .. تابعوا ذلك في الجزء القادم من (شتاء قلبي). بقلمي سيدة القصر (ساره) |
تحت لحن المطر .. الفصل الخامس (شتاء قلبي)
بعد أن ألقى ذلك المتسول بكلماته تلك في وجهي , شعرت بالضيق الشديد فاستدرت ومشيت في الطريق المعاكس لطريقه , ناداني ولكني قلت له بهدوء : بإمكاني العوده وحدي لاحقا لذا ارحل . بقيت أمشي وجملته تلك ( اعتادي على العيش ترابا) تتردد في رأسي , كنت أشعر بالكآبه , وكآبتي أجبرتني على التجول دون طريق ودون هدف , أتساءل ترى هل حقا ينبغي أن أعيش ترابا ؟! , وأثناء ضجيج حديثي مع نفسي جذبتني رائحة الذكريات , فأنا لا أخطئ أبدا في رائحة القهوه .. تلك القهوة الفرنسية التي ملكت قلبي بسبب غياب والداي الدائم , وذلك لأنها تذكرني برائحة الصباح الدافيء الذي يمتاز بعطر وجودهم فيه, كم أشعر بالغضب منهم .. وكم أشتاق للقهوه حين تذكرني بهم , وكم أتمنى لو أنهم قاموا باعدادي جيدا لمواجهة هذه الحياة قبل أن أتذوق بعدهم . أخذني التتبع لرائحة القهوه وخليط الذكريات المر حيث ذلك المقهى , دخلت ووقفت خلف الناس في صفوف الطلبات , وكلما اقترب دوري أخرج لأعود لآخر ذلك الصف من الناس , لم أكن أملك المال لشراء القهوه ولكني كنت أريد أن أقتل وقتي في استنشاق الماضي ..لعل ذلك يجعل المستقبل يقف قليلا بي . بعد قليل وأثناء عودتي مره أخرى لآخر الصف, لفت نظري في ذلك الصف الآخر بجانب صفي .. ذلك الشاب حين دخل الى المقهى .. كم هو وسيم وكم هو أنيق , أخذت أدقق في تفاصيله , كان يرتدي بنطال أسود وقميص داكن ترك ياقته مفتوحه بعفويه شديده .. و ذلك الوشاح حول رقبته كم يلائم معطفه الأسود ذو الأزرة الذهبيه .. وأنفه يشبه كثيرا حد السيف , كل ملامحه كانت متناسقه وكأنها رسما لا بشر, أما خصلات شعره , فقد كانت تتعارك فوق جبهته تحاول جاهده أن تلمس رموش عينيه الحادتين النظر والتي تُحاكي الثقه في خطواته .. بقيت أنظر له وأتابع حركاته باهتمام وكأن في تفاصيله الوطن الذي أشتاق له , كنت أعلم جيدا من خلال لمعة حذائه أنه من عالمي الذي نُفيت منه . مضى بي ذلك الصف حتى أتى دوري دون أن أشعر .. فقد كنت له أنظر .. , ونبهني صوت تلك النادله وهي تسألني عن طلبي .. فأجبتها بفكر شارد : لا شيء شكرا . خرجت من الصف واتجهت الى باب المقهى , ولكن قبل أن أخرج سمعت النادله وهي تخاطب ذلك الأنيق الذي كنت أنظر له قائله : تفضل بالجلوس سيدي سأحضر طلبك المعتاد ككل يوم . ثم أجابها هو : شكرا لك .. ولكن اجعلي السكر منفصل عن قهوتي الفرنسيه رجاءاً . عندها ابتسمت وأخبرت نفسي بأنه حتما ذلك نوعي المفضل من الرجال . خرجت من ذلك المقهى وجلست قليلا على أحد الكراسي الموجوده على الطريق , لم أشأ العوده الى ذلك البيت مبكرا , ولكني في النهايه اضطررت للعوده , وما ان دخلت ذلك المنزل حتى وجدت ذلك المتسول يقف من على تلك الأريكه في الصاله , ليتجه لي صارخا في وجهي قائلا : أين كنتي ؟ . سألت نفسي عندها : الاهي كيف أرى ملاكا وشيطانا في نفس اليوم؟ . ثم أجبته: ما شأنك .. أعتقد أنك تعشق التخلص مني فلما أنت غاضب ؟. تدخلت صديقتي عندها وقالت : قد كان قلقا بعض الشيء . نظرت لها بغضب وقلت : لم يقلق والداي بشأني حتى يفعل هو . ثم نظرت له بحده رغم دموعي المختنقه في عيناي وقلت : كما أني أحاول أن اعتاد على العيش ترابا .. أليست تلك نصيحتك ؟. تركتهم بعد ذلك واتجهت للغرفه , وما ان أغلقت الباب حتى تركت دموعي العنان , ثم تذكرت ذلك الشاب الأنيق وقهوته فابتسمت .. لا أعلم لما رسمت ملامحه في جفني حتى نمت .. ولكني كلما تذكرته نسيت كم تألمت .. في اليوم التالي ارتديت معطفي وأخذت حقيبتي و مظلتي و خرجت مبكرا , فقد اتخذت قرار بأن أبيع ساعة يدي التي أرسلها لي والدي هدية عيد مولدي العام الماضي. و أثناء بيعي لها وأنا أسلمها للبائع في ذلك المحل كنت أختنق , ولكن جملة ذلك المتسول عادت لتصرخ في رأسي (يا نجمة من السماء سقطتي .. اعتادي على العيش ترابا) عندها تركت تلك الساعه .. وقبضت مقابلها من المال , وخرجت مسرعه لأشرب قهوتي وأتناول افطارا لم أتناوله من مده . اتجهت الى ذلك المقهى , وقررت البقاء فيه حتى يأتي ذلك الأنيق , فتلك النادله بالأمس قالت أنه يتناول قهوته اليوميه هنا .. عندها ربما أستطيع حفظ ملامحه أكثر, لأتذكرها حين تغلبني دموعي فأبتسم . وفعلا بقيت هناك , أتابع الطريق من خلف زجاج النوافذ في ذلك المقهى , وما ان جلبت لي النادله قهوتي ابتسمت ابتسامة طفل يخجل من فرحته حين يعطيه أحدهم هديه .. ولم أكن طوال حياتي أتخيل أن أجد سعادتي في فنجان من القهوه فحسب . ومضى الوقت ..حتى اختفت الشمس وبدأت الغيوم تأخذ مكانها في السماء استعدادا لمهاجمة الأرض بوابل من المطر .. وفجأه انفتح باب ذلك المقهى ليدخل ذلك الأنيق , ولكنه بدا قلقا حيث كان يتجه نحو النافذه كل خمس دقائق ليرى السماء.. وما ان أمطرت حتى بدا عليه الاستياء.. . بقي ذلك الأنيق يراقب المطر من النوافذ وبقيت أنا أراقبه حتى حان وقت اغلاق ذلك المقهى , ففتحت مظلتي وخرجت , توقفت قليلا على الرصيف أدعو الله أن أجد سيارة أجره في هذا المطر الشديد , التفت لأجد ذلك الأنيق ما زال يقف تحت المظله الكبيره فوق مدخل ذلك المقهى فعرفت أن قلقه وترقبه للسماء طوال الوقت .. كان بسبب عدم حمله لمظله . لاحظت عندها أني عدت لمراقبته مرة أخرى ناسيه أمر سيارة الأجره .. وهو أيضا بدا وكأنه انتبه لنظراتي له من ما أثار ارتباكي. بعد ثواني من وقوف ذلك الأنيق هناك وجدته يستعد للركض تحت ذلك المطر وفجأة : تحت لحن المطر... هناك على الرصيف .. أراه قد عبر... أراقبه وأتساءل.. هل أمضي اليه بمظلتي؟ .. أم أنتظر... تحت لحن المطر... باردٌ قلبي والشتاء خطر... فحبيبي أمامي وبالحب أحتضر... هل يراقبني كما أراقبه؟.. أم أن لفتاتي تلفت النظر... بقيت أراجع نفسي.. تحت لحن المطر... حتى مضى في طريقه.. وفي وسط الشارع عثر... هوا قلبي سقوطا .. وثار عقلي وأمر... ركضت .. ثم انزلقت .. وعليه سقطت .. غطتنا المظله .. وبين أحضانه مات الضجر ... تحت لحن المطر ... عَثرَ هو.. فقلبي عثر... ترى من هذا الأنيق؟ وماذا ستكون ردة فعله بعد أن رماني المطر في أحضانه فجأه؟ , وهل أحببته من النظرة الأولى فعلا؟ أم أني أشتاق لوطن فقدته .. فوجدته (صدفه) بين وسامته والأناقه؟!! تابعوني وتابعوا ملاكي الأنيق في الجزء القادم من (شتاء قلبي). بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
خذ حياتي وفارق .. الفصل السادس (شتاء قلبي)
بعد أن رماني المطر في أحضانه فجأه و غطتنا المظله .. لم يلبث ذلك المشهد ثواني حتى عصفت رياح كبريائي غيرة على ذلك القلب بداخلي , ودفع هواء غروري تلك المظله ووقفت بسرعه لأبتعد عن ذلك الملاك المذهول أركض بعيدا تاركة خلفي مظلتي وصوته الذي ناداني قائلا : انتظري .. لكني لم ألتفت يومها الا لصوت الكبرياء وهو يعنف ذلك الخجل الذي اعترى غروري بشده , أخذت أركض تحت المطر .. يُسقطني ويُغرقني.. يُبكيني ويَحتويني حتى أقف وأنتصر.. وما ان وصلت الى المنزل حتى وقفت أمام الباب, طرقته وكنت أعلم أن الوقت أظلم فربما لا يفتح أحد .. ولكن صديقتي فتحت لي الباب وأدخلتني . سألتني حين دخلت متفاجأه: يا الهي لما أنتي مبلله الى هذا الحد ألم تأخذي مظلتك معك ؟!! .. ثم التفتت الى ذلك المتسول وهو ممدد على أريكته في تلك الصاله كالمعتاد وأكملت تسأله : هل أنت بخير حقا أم تحتاج أن أبقى معك؟. أجابها باقتضاب : هل تعتقدي أني أحد كبار السن الذين تقومين بتمريضهم في ذلك المشفى! .. اذهبي بسرعه الى عملك ولا تزعجيني . عندها كنت قد انتهيت من خلع حذائي المبلل ودخلت الى غرفتي التي أصبحت سجن ليلي.. فما كنت أنام فيها ولا كنت في وعيي .. فدموعي المأسورة بصمت قد حفظت زوايا تلك الغرفه . ولكن تلك الليله لم تشهد دموعي ككل ليله فحسب , بل شهدت أيضا أنينه , فحين كانت تحاول عيناي اغراء النوم عله يحتضنها فتهدأ دموعي , سمعت صوت أنين ذلك المتسول يعلو في تلك الصاله . في البدايه حاولت تجاهل الأمر ولكني لم أستطع أن أتجاهله لمده طويله , فرغم خلافاتي معه الا أني أعلم جيدا كم بقاء الشخص وحيدا مع مرضه مؤلم جدا , لذا فتحت باب غرفتي وسحبت خطواتي اليه فوجدته نائم على تلك الأريكه ويبدو شاحب و متعب ..لم يكن يشعر بوجودي , تشجعت عندها و وضعت يدي على رأسه فأدركت اصابته بالحمى , نظرت له أتساءل ماذا أفعل !.. أحضرت القليل من الماء البارد وأخذت أمسح به على جبهته ووجهه , كم كان يبدو جادا حتى وهو نائم , أخذ الوقت يمضي وانا أحاول خفض درجة حرارة جسده بالماء البارد وبعد أن بدأت في الانخفاض تدريجيا , جلبت له ذلك الغطاء من على سريري لأغطيه جيدا.. فلم يكن غطاءه في هذا البرد القارص كافي أبدا , و أثناء محاولتي تغطية يديه أخذت أتأمل الشحم الأسود على كفوفه وعلى أظافره المتكسره . أخبرت نفسي قائله : يا الهي كم تعاني هاتين اليدين معه. , لم أستطيع تحمل رؤية هذا البؤس كله في أظافره. ذهبت عندها وأحضرت مبرد أظافري وقمت ببرد أظافره بهدوء حتى لا يشعر بي , وبعد أن انتهيت تفاجأت حين رفعت رأسي ونظرت له لأجد عيناه مفتوحتان تنظران لي مدركتان وجودي .. وقتها رغم ارتباكي الا اني قلت ببرود : أعتقد أنك بخير الآن كانت مجرد حمى . ثم وقفت لأذهب لغرفتي ولكنه أمسك بيدي فسحبتها بسرعه لأدخل غرفتي , لم أفكر كثيرا فقد كنت متعبه وذلك ما ساعدني على النوم بسرعه وبعمق , كانت هذه أول مره أنام دون أن أفكر بشيء . في اليوم التالي حين استيقظت بدأت أفكر بكل أحداث الأمس , منذ أن فقدت مظلتي وأنا أحاول حماية ذلك الملاك حتى انتهى بي الأمر الى تمريض ذلك الشيطان والمكوث بجانبه طوال الليل . لذا قررت أن لا أذهب مرة أخرى الى ذاك المقهى كي لا أرى ملاكي الأنيق خاصة بعد أن أحرجت نفسي وجعلت كبريائي يثور علي , وايضا قررت التهرب من شيطاني المتسول ولكني لم أكن أعرف لماذا قررت ذلك . ومضت تلك الليله بعد اتخاذي هذه القرارات , وبعد عدة أيام كنت أقوم بتحضير ملابسي حتى أخرج لأبحث عن عمل فحقا لا أود أن أبيع شيئا آخر من أشيائي , وأثناء تحضيري لملابسي سمعت صوت طرق على باب الغرفه , فصرخت ظنا مني أنها صديقتي وقلت : ادخلي قد تركت الباب مفتوحا . سمعت صوت ذلك المتسول وهو يقول : هذا أنا هل بامكاني الدخول . فنظرت الى الغرفه لأجد حاجياتي مبعثره بكل مكان مما جعلني أصرخ : لا .. لا تدخل .. ثم أكملت: لحظة واحده. أنطلقت وفتحت الباب ثم قلت : هل كنت تود شيئا . أعطاني الكوب الذي كان في يده وقال : أحضرت لك القهوه . أخذتها منه وأنا متعجبه وقلت : شكرا لك . ولأني شعرت بالارتباك الشديد من تصرفه هذا , تركته و أغلقت الباب في وجهه ثم عاودت فتحه مره أخرى وقلت : عذرا هل كنت تود شيئا آخر؟ . فابتسم بتوتر واضح جدا وقال : الحقيقه أني أود ... فقاطعته قائله : لا داعي لشكري اذا كان هذا ما تود قوله . فرد بارتباك شديد : لا لم أود ذلك .. أقصد نعم بالطبع أشكرك ولكن في الحقيقه هناك مهرجان يُقيمه الحي كل سنه وكنت أود دعوتك .. أعني ان كنتي ترغبين بذلك طبعا . ازداد تعجبي فقلت له : كوب القهوه ساخن بعض الشيء سأضعه على الطاوله داخل الغرفه لحظة واحده وأعود. ثم أغلقت باب الغرفة مجددا وأنا أحدث نفسي : يا الهي أنا أتهرب منه وهو يود دعوتي لمهرجان .. ماذا أقول له ؟!, حسنا سأقول بكل بساطه أني سأخرج للبحث عن وظيفه وانتهى الأمر .. ثم فتحت الباب مره أخرى لأجد في عينيه نظرة تساؤل عن ما أحمله في يدي , فلشدة غبائي وارتباكي نسيت وضع كوب القهوة على الطاوله وكنت ما زلت أحمله في يدي مما جعلني أود أن أتخلص من نظرة التساؤل تلك في عينيه وأقول : حسنا سأذهب معك الى المهرجان .. ثم أكملت أسأل : هل هو الليله ؟ . فأجابني بابتسامه : نعم الليله .. سأذهب الى عملي الآن وسأحضر لاصطحابك في الثامنه , اتفقنا؟ . فأجبته : حسنا . دخلت وأغلقت باب الغرفه وأنا أشعر بالغباء الشديد , وكم كنت أود لو أستطيع رمي ذلك الكوب من القهوه في الجدار , ولكن ذلك لن يفيدني بشيء فقد أخبرته أني سأذهب معه , لذا كل مافعلته وقتها هو الاتصال بصديقتي لأعرف ما ان كانت ستأتي معنا , ولكنها أجابتني متفاجأه تسأل : هل حقا أخي قام بدعوتك . فأجبتها : نعم قام بذلك ..ومن الأفضل لك أن تحضري لأني لا أود الذهاب معه بمفردي . قالت لي : حسنا سألحق بكما ما ان أنتهي من ساعات عملي .. وبالمناسبه أود فقط أن أخبرك أنك أول فتاة يدعوها أخي لمناسبة ما . رددت عليها بنفس الطريقه قائله : بالمناسبه ..اخيك ليس أول من يدعوني لمناسبة ما .. لذا أنا لا أهتم . ضحكت ثم قالت بطريقه ساخره : حسنا ألقاكما معا على خير .. وداعا . وفي تلك الليله ارتديت فستان من الصوف ناعم المظهر , أقرب لونه للون التفاح الأخضر , واكتفيت بالمكياج الوردي البسيط ورفع شعري على طريقة ذيل الحصان لأبرز ملامحي أكثر . وما ان أصبحت الساعه الثامنه تماما حتى سمعت طرقه على باب غرفتي , فارتديت معطفي الأبيض و خرجت و أنا أقول له : انا جاهزه . خرجنا نمشي في ذلك الطريق حيث أخبرني بأن المهرجان ليس بعيد , بل في نفس الحي, كونه مهرجان الحي السنوي .. قلت له أتساءل : ترى هل لباسي مناسب لما تسميه مهرجان . فابتسم وقال: اسمه مهرجان ولم أقوم أنا بتسميته هكذا .. كما أن لباسك مناسب .. تشبهين دوما الدميه . فقلت له : لما ترى أني أشبه الدميه ؟. أجابني : لا أعلم .. فقط لا أعتقد أن هناك شيئا لا يناسبك فلأكون صريح أنت حقا جميله . سألته : اذن لما تناديني بالتافهه والدمية الفارغه دوما ؟ . فقال : وانتِ لما تناديني بالمتسول ؟ . انقطع حديثنا هذا حين بدأنا بالاقتراب من حديقة الحي العامه .. والتي كان المهرجان يقام بها , ولشدة الازدحام أصبح ذلك المتسول يتقدمني بخطوات , و لأني أكره الزحام وأعاني من ضيق التنفس به بدأت أخاف أن أفقد خطواته ويبتعد فلا أصبح قادره على رؤيته , وهذا ما جعلني أسحب طرف معطفه لأتمسك به, وعندها التفت الي هو و أمسك بيدي وسحبني باتجاهه فأدركت من نظرته الجاده أنه يتحداني أن أفقده . وما ان دخلنا حتى وجدت الكثير من الناس يركضون باتجاه المتسول لالقاء التحية عليه ونظراتهم تسأل ترى من أنا ؟ ولما أنا معه؟ .. كما أني لاحظت أنه يملك الكثير من المعجبات من ما جعلني أتساءل لما لم يدعو احداهن !! . أخذ يعرفني بكل شخص يلقي عليه التحية , ثم أخذنا نتجول لأرى الكثير من الفعاليات , فالموسيقى تعلو المكان , هناك من يرقص , وهناك من يغني , وهناك من يتراهن على ورق اللعب , وهناك الكثير من الباعه المتجولين , اشترى لي متسولي المتعجرف بعض الشطائر والعصير وأخبرني قائلا : هذه ألذ شطائر في المدينه بأكملها . قلت له : أتعلم هذه أول مره أحضر فيها الى مهرجان . ابتسم وسألني : هل أحببته ؟ . قلت : نعم كثيرا ولكني أحببت الشطائر أكثر . ضحك وقال مازحا : هي لا تباع الا في المهرجان فقط , لذا لا تطلبي مني احضارها لك في يوم آخر . ضحكت وقلت : حسنا سأحاول تصديق هذا ولن أطلبها . أشار لي عندها الى ذلك الرجل المسن وقال : هذا ناقل أخبار الحي بأكمله , اذا أردتي أن تعرفي أي خبر ..فما عليك الا سؤاله وسيغنيك عن الصحف اليوميه .. ثم أستطرد قائلا : يا الهي ها هو قادم باتجاهنا استعدي للملل . ضحكت بشده لرؤيتي ذلك المتسول يتذمر من قدوم الرجل المسن . وما ان حضر ذلك المسن حتى قال موجها كلامه للمتسول ومشيرا الي : يا الهي ما هذا الجمال ؟ ما الذي فعلته أيها المحظوظ لتخرج معك نجمة السينما هذه ؟ شكرته على اطرائه ثم حاولت أن أقول بأني لا أخرج مع ذلك المتسول وأني فقط صديقة أخته التي ستأتي بعد قليل ولكن ذلك المتسول قاطعني وسأل المسن عن سبب اقامة المهرجان مبكرا هذه السنه ؟ . فأجابه قائلا : ابن رئيس الحي قد عاد أخيرا من سفره ..يقولون بأنه هنا منذ ثلاثة أسابيع فقط , لذلك رأى رئيس الحي أن يقيم مهرجاننا هذه السنه على شرف حضور ابنه .. ألم تقابله بعد ؟؟ أجاب المتسول : لا .. أين هو ؟ فأشار ذلك المسن قائلا : انه هناك .. ذلك الوسيم ذو البدلة السوداء .. ثم أكمل ضاحكا بسخريه : ألا ترى كيف تتجمع النساء من حوله ؟ . التفت أنا لأرى ابن رئيس الحي ذاك .. لأتفاجأ بشده حين وجدت أن ابن رئيس الحي ليس سوى ذلك الملاك الأنيق الذي رماني المطر في أحضانه قبل عدة أيام , وقتها أردت الخروج من ذلك المكان بسرعه قبل أن ينتبه لوجودي , وكم كرهت ذلك المسن المتطفل الذي زاد من ارتباكي حين صرخ مناديا ذلك الأنيق ليجعل المتسول يلقي عليه التحيه , من ما جعل الأنيق ينتبه لوجودي وينظر لي ’ ثم أخذ يتقدم بين جموع الناس حوله محاولا شق طريقه نحونا, فوجدت نفسي لا شعوريا أركض هربا , وذلك المتسول يناديني ويلحق بي حتى أخذت أتسلل بين الناس حول خشبة ذلك المسرح الذي يعلوه أحد المهرجين في محاوله مني للابتعاد عن نظر ذلك الأنيق الذي أراه عن بعد وهو يبحث بعينيه عني , أما المتسول فأخذ أيضا يتسلل بين الناس حول المسرح محاولا اللحاق بي .. ومن سوء حظي أن ذلك المهرج الذي يعلو المسرح بدأ يسحبني ويطلب مني الصعود على خشبة العرض , فسحبت يدي لأتراجع , ولكن الناس حول المسرح أخذوا يصفقون ويدفعوني لأصعد , فاضطررت مجبره الى الصعود لأجد المهرج قد جلب مكبر الصوت وقام بوضعه أمامي ثم طلب مني بإشاراته المضحكه أن أقوم بالغناء . ولكن صوت نبضات قلبي المتسارعه زادت الطين بله حين بدت مسموعه عبر مكبر الصوت ذاك ما جعل الناس تضحك بشده , وجعل المهرج يخرج زهرة حمراء من قبعته ويعطيني اياها .. ثم اشار لي بطرافه أن أجعل حنجرتي تغني لا قلبي . توقفت صامته لثواني أسمع تلك الضحكات العاليه وانا في غاية الاحراج , ثم رفعت عيناي لأنظر لذلك الأنيق وهو يراقبني هناك .. كان صوت نبضات قلبي يتعالى كلما نظرت اليه , فأخبرت نفسي بأني حقا أكره احراج نفسي للمرة الثانية أمامه , فأمسكت مكبر الصوت وأشرت للمهرج أن ينتظر قليلا ,ثم قربت مكبر الصوت من قلبي الذي كان ينبض بشده لأنقل صوت نبضاته للناس التي أخذت تضحك ظنا منها أني أعاند المهرج , ثم قربت المكبر من فمي ووضعت يدي على قلبي وقلت : يا نبضا يسأل عن الحب.. يا نبضي الطارق... ابقى تحت أمري.. أو خذ حياتي وفارق... ولا تضرب في حنايا صدري.. ان كنت في قلبي المغرور عالق... يا من تثور بين ضلوعي .. توقف عن خيانتي ... أعطيتك اسمي .. وأبقاك الكبرياء تحت وصايتي... فوهبتك قلبي.. وربيتك نبضا لسيادتي... مُلكا لي وحدي.. مُلكا لسعادتي ... فان أحببت غيري !!.. نفيتك .. قتلتك .. جعلت منك جنايتي ... ذلك انذاري.. وان كنت نبضي! .. فلا نبضا يعلو كرامتي ... ترى كيف تقبلت جموع الناس كلماتي تلك , وهل سيسمح غروري لذلك الأنيق بالاقتراب مني ؟ أم سيكون لشيطاني المتسول رأيا آخر ؟؟ ! .. بين (ملاكٍ وشيطان) كيف سأعيش القادم من (شتاء قلبي) ؟؟؟ تابعوني بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
حديث شاعرة .. الفصل السابع (شتاء قلبي)
ما ان أنهيت خطابي الصارم لنبضي الثائر , حتى وقفت أقاوم ارتباكي على خشبة العرض وأحاول بشموخ رفع رأسي لأرى الناس تنظر الي باستنكار . و فجأه سمعت صوت أحد الرجال ينادي من بين هؤلاء الناس قائلا : انتِ يا فتاة .. اوقفي ثرثرتك الممله وافعلي ما يقوله المهرج . ثم بدأ الضجيج يعلو بينهم, منهم من يقول: نعم افعلي ما يقوله المهرج. , ومنهم من يصرخ: انزلي من هناك لا تفسدي العرض . شعرت بالخجل أكثر وأدركت كم أحرجت نفسي , نظرت للأرض بيأس شديد و واتجهت أود النزول من على ذلك المسرح بهدوء في محاوله مني لاظهار قوتي وعدم مبالاتي .. رغم أن عيناي كانت تستعجلني في النزول من هناك قبل أن تفضحها دموعي التي كانت تتسلل تود الافلات من بين جفوني التي تأسرها . نزلت وواصلت المشي بهدوء الى أن اقتربت من بوابة الخروج لتلك الحديقه , وما ان خرجت حتى تركت لعيناي وقدماي العنان , فأخذت أركض وأبكي حتى قررت الجلوس على أحد الكراسي الطويله في أحد المنتزهات القريبة , ففي تلك اللحظه كنت حقا حزينه, بكيت كثيرا حتى اقترب ذلك المتسول مني وجلس بجانبي . سألته متفاجأه : هل كنت تتبعني ؟ أجابني : قد خرجتي معي ويجب أن تعودي معي .. هذا كل ما في الأمر . قلت له بخجل : أعتذر عما سببته لك من احراج .. ماكان يجب أن تقوم بدعوتي. ابتسم وقال : يا لك من شاعرة مجنونه . بقيت صامته ولم أتكلم.. كانت دموعي تغلبني و كان الأسى يداعب حالي كثيرا .. حتى تكلم هو فقال : انت غريبه حقا .. فحين قابلتك للمرة الأولى كنتي كالأميرات وجمالك كم كان يوحي لي بأنك نجمة أو ملاك, رغم أنك حقا مغروره جدا ولئيمه : لم أعتقد عندها أن بداخلك لحن نبض تخاطبينه .. ولم أعتقد بأن في عينيك شموخ دمع تحاربينه .. أتساءل ترى ذلك الشعر لمن تكتبينه؟.. ونبض قلبك أي حب تحرمينه ؟.. أجبته باكية : لقد أفسدت كل شيء .. أحرجت نفسي فحسب , أرجوك اتركني وحدي , لا أحب أن يراني أحد هكذا .. أتمنى أن تحترم رغبتي هذه . بقي قليلا ثم نهض بهدوء من على ذلك الكرسي بجانبي واختفى من حولي . ازدادت دموعي المتزاحمه حول ملامحي حتى شعرت للحظه بأنها تحجب عني الرؤية أخذت أمسح دموعي بكفاي و حين استطعت فتح عيناي لاح لي خيالا أمامي , فعرفت أن ذلك المتسول لم يرحل ومؤكد أنه يقف خلفي .. صرخت بانهيار دون أن ألتفت اليه خوفا من أن تُهين تلك الدموع كبريائي أمامه ..أخذت أخاطب انعكاس خياله أمامي وكأني أخاطبه تماما , ثم قلت : لما عدت؟ ماذا تريد ؟ نعم ربما أنا مجرد دميه في نظرك ..و لكن ..و لكن : انظر الي جيدا .. تفحص ملامحي بعنايه... لشموخ الدمع في عيناي قصه .. لابتسامتي البارده حكايه ... لا تبحث عني في الشكل والصوره .. لن تجد انعكاسي في المرايا ... أنا الشاعره .. أنا البطله .. أنا الروايه ... (نعم أميره) .. نعم تكثر في صفاتي المزايا ... لكني روح بلا روح .. مشاعري غطتها الجروح .. وهل يصبح الليل ليلا ان لم أنوح؟ .. ماذا تعرف عني ؟!.. هل هي ابتسامتي؟ !... بعض مزاحي؟!..بعض صرامتي؟ !.. ماذا تعرف عن عنايا؟؟ ... هل قابلت على كوكبنا ملاكا بلا خطايا؟! ... تسألني لمن أكتب كل سطوري؟ .. من جعل القلب ينبض في الحنايا؟!... لا شيء سوايا ... أما الحب ؟ .. موضوع جيد للكتابه ... أما الشعر؟ .. حروف مصفوفه تمحي الكئابه ... أما أنا؟ .. شاعرة أختلق مشاعري الكذابه ... أما أنت؟ .. لا شيء سوى .. حديثي مع (الخيال).. حين تغتالني الرتابه... ويبقى حالي على حالي .. بين نفسي ونفسي انشغالي .. سيدة القصر.. أسيرة أيامي بلا عد ولا حصر .. مهما ملكني الغرور.. ومثَل قلبي الصلابه ... اجهشت بالبكاء حتى شعرت بخياله يتحرك و يقترب مني لأشعر بيديه وهي تضع ذلك المعطف على كتفاي , رغم ارتدائي معطفي الا أني لم أشعر بالدفيء كما شعرت حين وضع هو ذلك المعطف علي , لاحظت رائحة ذلك العطر المميز في معطفه , ولاحظت أيضا خامة القماش الناعمه جدا , رفعت رأسي قليلا فانتبهت لتلك الأزرة الذهبية في ذلك المعطف , أغمضت عيناي وحدثت نفسي قائله : يا الهي أتمنى أن لا يكون هو . فتحت عيناي بسرعه ونظرت اليه فعرفت أن أمنيتي لم تتحقق .. نعم قد كان هو.. ذلك الملاك الأنيق , هو من كان يستمع لشكواي معاناتي وأنيني .. والآن يغمرني بردائه ويحتويني . تساءلت بتذمر: ترى لما يحدث هذا معي ؟ لما في كل مرة ألتقيه أجد نفسي محرجة أمامه . ابتعدت عنه بسرعه كابتعادي في كل صدفة تجمعني به , ولكني شعرت بيديه وهي تقبض على ذراعي بقوه وكأنه يثق برغبتي في الهروب . أخذت أشيح بوجهي بعيدا عنه ولكنه سحبني نحوه من ما أجبر نظراتي على الالتقاء بنظراته ثم قال: انت هي تلك الفتاة صاحبة المظله ..أليس كذلك ؟ قلت له بارتباك شديد : رجاءا اتركني . فرد قائلا : أجيبيني أولا . أجبته : نعم أنا هي .. والآن دعني . رفع يديه محاولا مسح دموعي ولكني أبعدتها مستنكره فعلته تلك فقال : عذرا .. ولكن عيناك جميلتان فلا تدعي دموعك تنال منها . تعجبت كثيرا من جرأته ولكنه أكمل حديثه وكأنه لم يتعدى حدوده قائلا : تلك الكلمات التي قلتيها في المهرجان .. كانت رائعه حقا , ولكن لم يكن الجمهور المناسب فحسب. لم أنطق بكلمه لشدة خجلي والتفت لأرحل ولكنه ناداني وقال : اسمحي لي أن أقوم بايصالك الى المنزل يا آنسه .. فسيارتي قريبه من هنا . أجبته : شكرا لك .. سأعود وحدي . شعرت به يركض خلفي ويقول : حسنا انتظري قليلا أود أن أعيد لك مظلتك . قلت بحده : احتفظ بها لا أريدها . مشيت قليلا ثم أدركت بأني لا أسمع صوت أقدامه, التفت لأنظر خلفي فلم أجده , ولكن لم تمضي ثواني حتى سمعت صوت سيارته الفارهه جدا وهي تمضي بجانبي وقد قام بفتح النافذه و قال بتحدي :سنلتقي ثانية يا فتاة المظله فأنا أود استعادة معطفي . واشار لمعطفه الذي قام بوضعه على كتفاي , وغمز لي بخبث ثم مضى مسرعا بسيارته الرياضيه الملفته . فقدت أعصابي وأخذت أنادي عليه : تعال وخذه .. يا الهي كيف نسيت أمر هذا المعطف آآآآآآه هذا ما كان ينقصني . عدت الى المنزل و لمحت ذلك المتسول وهو يمشي أمام باب المنزل ذهابا وايابا بقلق وقد كان يحمل شيئا في يده , وما ان رآني حتى اقترب مني ليسألني : هل أنتِ بخير الآن ؟. قلت : نعم انا بخير . أخذت أحاول العبور لأدخل الى المنزل ولكنه قطع طريقي مجددا وهو ينظر لذلك المعطف على أكتافي وقال : هل قابلتي أحدا ؟. أجبته وأنا أسحب ذلك المعطف من علي : لا أحد مهم . ولرغبتي في تشتيت انتباهه حتى لا يسألني عن ذلك المعطف مرة أخرى قلت : ما الذي تحمله في يدك . قال بخجل وهو يمرر يده خلف رقبته ويعطيني بيده الأخرى ما يحمله : هذه بعض الشطائر .. التي نالت اعجابك ! عدت الى هناك وجلبتها لكِ. ثم قال في محاوله منه ليظهر جديته وتذمره : والآن ادخلي فأنتِ حقا تأخرتِ في العوده . أخذت تلك الشطائر منه واغتال الصمت كل الكلمات على شفاهي وقتها ولكن ... . . . . ماذا بعد لكن .. وما مصير ذلك الشتاء في قلبي؟ , ترى هل يدوم طويلا ؟؟؟؟؟. بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
بعيدا عن قلبي والأعصاب .. الفصل الثامن (شتاء قلبي)
http://store4.up-00.com/2017-09/150467613485981.jpg
أخذت تلك الشطائر منه واغتال الصمت كل الكلمات على شفاهي وقتها ولكن .. ما ان خرجت صديقتي تركض باتجاهنا حتى أدركت أن صمتي لن يدوم طويلا .. أخذت تصرخ في وجهي قائله : ما الذي يحدث! , لقد ذهبت الى هناك ولم أجدك ثم أتى أخي وأعادني الى المنزل .. ما الأمر بينكما أنتم الاثنين ؟! هل عدتم للشجار من جديد؟. انطلقت اليها ثم احتضنتها وبكيت بشده وقلت : تسألين عن ما يحدث ! ما يحدث أني تعبت بشده و أود أن أعيش فلم أعد أحتمل .. أعيدوني حيث كنت وشكرا لإيوائي . ثم ابتعدت عنها و تمالكت دموعي التي قمت بمواساتها بطرف اصبعي وأكملت طريقي حيث باب المنزل ولكن قبل أن أدخل.. عدت للالتفات وناديته مبتسمه : أيها المتسول .. شكرا على الشطائر . وانتهت تلك الليله.. وفي اليوم التالي استيقظت على صوت الطرق العالي على باب غرفتي لأسمع ذلك المتسول يصرخ : استيقظي يا دميه فأنا حقا مستعجل . قمت بسرعه وفتحت باب الغرفه وانا شبه نائمه وقلت : ماذا تريد ؟ .. لما تزعجني ؟؟ . أجابني : أزعجك لألبي لك رغباتك , ألم تقولي بأنك تعبتي وتودين العيش أيتها الدميه !! .. هيا بسرعه لا تضيعي وقتي قومي بتبديل ملابسك أنا أنتظرك بالخارج . ولأني كنت فعلا شبه نائمه أمسك كتفاي بشده وقام بهزي عدة مرات قائلا : أنتِ ! استيقظي .. استيقظي . ففتحت عيناي مذعوره وأخذت أضربه على صدره لأبعده عني . فأخذ يضحك باستهزاء ثم قال : حسنا أعتقد بأني أيقظتك الآن .. هيا أسرعي أنا أنتظرك بالخارج , خمس دقائق فقط وسأرحل . قمت باغلاق الباب في وجهه وأنا أتذمر قائله : أكرهك حقا أكرهك . بدلت ملابسي وخرجت وما زال النوم يعاكسني, وحين فتحت باب المنزل وجدت ذلك المتسول أمامه , فتحت عيناي بشده وبذهول وأنا أحاول أن أتأكد من ما أراه ,, هل هذه دراجه ناريه حقا ؟؟ . خرجت وأغلقت الباب وتوجهت اليه وقلت : ما هذه ؟ قال : ألا تعرفين ما هي! .. انها دراجه ناريه .. كنت أملكها من مده ولكني قررت أن أستخدمها اليوم فقط , فانتِ شبه نائمه , و الحقيقه أني لا أرغب في حمل أحد مرة أخرى لأخسر ظهري.. فما زلت شابا على ذلك . عندها اكتفيت بنظرة وجهتها اليه وحرصت جيدا على أن يتذكرها طوال حياته . فرد ضاحكا: لأول مرة في حياتي أرى عينان تتحدث بوضوح هكذا .. هيا استقلي الدراجة النارية خلفي بسرعه فقد تأخرت . فأجبته بتعجب : خلفك أنت !! .. بالطبع لا . فقال باستهزاء : حسنا توجهي مباشرة بقدميك الى مقر عملي .. فأنت تعرفينه جيدا . وانطلق بعد كلماته تلك راحلا بدراجته الناريه العتيقه . أخذت أمشي حيث ذلك المرآب الكئيب وأنا أتذمر قائله : يقول مقر عمله! هه .. يا له من متسول.. لو لم أعرفه لاعتقدت بأنه وزير. وصلت الى ذلك المرأب وقد كان ينقل بعض الأشياء ويرتب صندوقا للمعدات , فقلت له : ماذا تريد ؟.. وأيا كان ما تريده أخبرني به بسرعه . أكمل عمله ببرود وهو يعبث بمعداته ثم قال بهدوء : ما الذي أتى بكِ الى هنا يا دميه ؟ . تعجبت من سؤاله وشعرت بالاستفزاز فقلت : انت !! .. هل لديك انفصام في الشخصيه ؟! .. ألم توقظني و تقول بأنك تود أن آتي الى هنا لأنك ستلبي رغباتي ؟؟. أجابني : سألبي رغباتك لأنك تعبتي وتودين العيش أليس كذلك ؟ .. اذن فأنت من يحتاجني لذا توقفي عن التصرف كالأميرات واسمعي ما سأقوله جيدا وفكري به , وان كان لديك حلا آخر فابتعدي وعودي من حيث جئتي وأكملي نومك .. اتفقنا ؟. في قرارة نفسي كنت أعلم جيدا بأني بحاجه لمساعده لذا قررت أن استمع اليه فقلت متظاهرة بالبرود : انا أستمع. فبدأ حديثه قائلا : سنعمل سويا هنا وسأقتسم معك ما أربحه , وفي نهاية اليوم سأعطيك النصف . تفاجأت وقلت بحده : تود أن أعمل لديك ؟؟؟؟ وماذا سأعمل !! في اصلاح المحركات أم في تلميع الاطارات أو ربما سأقوم بتغيير تلك الاطارات وحملها بنفسي .. ألهذا الحد ترغب في أن تراني ذليله أمامك ؟! رد بحده قائلا : قلت سنعمل سويا ولن تعملي لدي .. كما أن تلميع الاطارات واصلاح المحركات الذي ترينه ذل.. يساعدني على اكمال دراستي الجامعيه وبناء نفسي وذلك ما يجعل هذه الحياة تحترمني .. عم الصمت قليلا بيننا وقد شعرت بأنه يحاول أن يتمالك أعصابه ثم أكمل قائلا : اسمعي سيدتي .. أتمنى لو أستطيع أن أعيدك لقصرك ولكن ليس بيدي شيء , كل ما أستطيع فعله هو أن أجعل هذه الحياة تحترمك , وقبل كل هذا أود أن تكوني محترمه أمام نفسك .. ربما لست الأفضل , وربما أنا متسول فقير في نظرك ولكني أناضل لأعيش بكرامه .. فان أردتِ أن أعلمك بعضا من نضالي فابقي واقبلي تلميع الاطارات .. أما ان رفضتي .. فأتمنى أن يكون لديك الكثير من المجوهرات والساعات التي تستطيعين بيعها لتعيشي بكرامه . كلماته تلك كان وقعها علي شديد جدا , وتفاجأت بشده حين ذكر موضوع المجوهرات والساعات , اذن هو يعرف بأني قمت ببيع ساعتي ,, تساءلت ترى كيف علم بالأمر! . هذه المرة ذرفت الدموع ولكنها لم تكن دموعي وانما دموع الكبرياء المنهار بداخلي .. سقطت على ركبتاي وأنا أود الصراخ بكل قوتي ربما يكف القهر عن نحت زوايا صدري .. لكن كل ما تذكرته وقتها ( أبي وأمي),, ترى أين هم عني الآن ؟؟ لما أنا دوما وحدي ؟؟؟؟؟ وفي ذروة انهياري ذهب هو حيث احدى السيارات التي تقف في داخل المرأب وأخذ يعمل وكأنه لا يراني , تركني أبكي أنهار وأتذمر, وبقي يعمل بهدوء حتى هدأت وشد هو انتباهي . أخذت أتأمله وهو يعمل , وشعرت بقسوته وقوته .. حدثت نفسي قائله : نعم هو لم يكذب .. أنا فعلا بحاجه أن أتعلم قسوته هذه ربما أستطيع العيش . وقفت واتجهت له فلم ينظر لي , بل كان يكمل عمله على محرك السياره التي أمامه .. قلت له : ما الذي يتوجب علي عمله هنا ؟. قال بهدوء وهو يشير لي : أترين تلك الجوالين هناك ؟. فنظرت حيث أشار لي وقلت : نعم أراها . قال : كل جالون كُتِب عليه (وقود مهدرج) انقليه الى تلك الزاوية هناك , أما كل جالون كُتِب عليه (وقود) فقط , دعيه كما هو .. وبعد أن تنتهي من ذلك ..أتمنى أن تقومي بجمع مُعداتي المتناثره بقرب ذلك الصندوق الأسود , ورتبيها حسب حجمها .. فأنا غالبا أفقد نصف يومي في البحث عما أريده بين تلك الفوضى . نظرت الى حيث أشار لي , وبدأت أتفحص المعدات وجوالين الوقود و زوايا المكان , ثم عدت بنظري اليه فوجدته يتصبب عرقا رغم البرد القارص والشتاء , ووجدت جبهته قد تلوثت بالشحم كالمعتاد وكم كان يبدو جاد , شعرت حينها بأني أود أن ألوث جبهتي بالشحم مثله فربما ذلك ما يجعله قوي وقاسي . بدأت أعمل و أخذت أسحب تلك الجوالين الثقيله لأني لم أستطع حملها , وحين كنت أفعل ذلك رأيته يخلع قميصه ويلقيه , فتركت ذلك الجالون الذي أسحبه ليسقط أرضا وصرخت به قائله : انت أيها المتسول ..هل جننت ؟ هل نسيت بأني هنا ؟؟ ارتدي قميصك بسرعه . فرد ببرود : عادة أعمل بلا قميص .. و احتراما لتواجدك فقط كنت أرتديه اليوم , ولكني تذكرت بأني كقطتك التي تُقبٍلينها رغم أنك تتحسسين منها , لذا لا أعتقد أن مسألة القميص تهمك كثيرا . اقترب مني كثيرا حتى وقف أمامي تماما ثم قال: أم أنها تهمك ؟. فقلت بخجلٍ مُربَك : بالطبع لا تهمني . فدنى حتى أصبح وجهه قريب من وجهي وقال: في المرة القادمه حين يقوم قط مثلي بخلع قميصه, لا تقومي بالقاء جوالين الوقود أرضا .. فقد تتضرر . ثم حمل تلك الجوالين من أمامي بكل بساطه ونقلها الى تلك الزاوية .. عدت لعملي و أنا أتمنى أن أسكب ذلك الوقود عليه وأحرق ذاك المرأب بالكامل . بقيت أعمل وأنا أعلم بأني لا أتقن أي شيء , ولكني كنت أتبع تعليماته الممله والصارمه فحسب , كان أوقاتا كثيره يتركني أعمل في داخل ذلك المرأب ويخرج لمقابلة الزبائن وفحص سياراتهم , ثم يعود ليتفقدني ويتفقد عملي , فيقوم باصلاح الكثير من ما أفسدته . وفي منتصف ذلك اليوم ناداني فذهبت اليه فقال: حسنا أيتها الدميه .. أعتقد أننا حققنا ربحا جيدا اليوم , انظري ..هذه خمسون دولار ولك نصفها .. خمسة وعشرون دولار. ما ان استلمت ذلك المبلغ حتى ابتسمت ولا أعلم لماذا! , فقد كنت أملك أضعافه مئة مره , ولكن لم أهتم يوما كاهتمامي بالخمسة وعشرون دولار تلك . سألته باهتمام : اذن هل انتهى العمل الآن . فأجابني : ليس بعد .. بقي ساعتين , اذهبي الى داخل المرأب و ستجدي على الطاوله التي أضع عليها الشاي دفتر للحسابات ,, دوني كم كان ربحنا اليوم . دخلت الى هناك فوجدت ذلك الدفتر , قمت بتدوين الأرباح وبعد أن انتهيت , نظرت بين السطور الفارغه فأغرتني كثيرا , وتمنيت لو تغازلها مشاعري عبر القلم, أخرجت الخمسة وعشرون دولارا من جيبي ونظرت لها بسعاده فكتبت : رغم الاختناق... وضيق تفكيرك و النطاق... وأسلوبك الذي لا يطاق... (شكرا).. رغم دموعي والجراح... رغم التعب وقلة الأفراح... رغم جمالي والمرآة المهجوره... رغم الفقر وآمالي المكسوره... (شكرا).. رغم ..... لشدة تعبي وارهاقي احتضن النوم عيناي قبل أن تحتضن قصيدتي نهاية حروفي , فغفوت .. وحين استيقظت ورفعت رأسي من على تلك الطاوله , نظرت الى ذلك الدفتر المفتوح أمامي فتفاجأت بكلماته التي بدأت من حيث انتهيت وكانت تقول : رغم الاكتئاب.. واستمرار مرور السحاب.. فوق حياتي الغائمه... رغم طموح السراب.. رغم لحن الاضطراب.. في ثوراتي العارمه... رغم الجمال في صباكِ.. رغم غرورك وارتفاع سماكِ.. رغم نظرة اليأس في عيناكِ.. يا فتاة الحروف الهائمه... قد أغرقتي شابا قد شاب.. لتبقى سفينة مشاعره .. في ميناء القسوة عائمه... ابقي هنا.. بعيدا عن قلبي والأعصاب.. ابقي هنا.. يا شاعرتي الحالمه... ابقي دون حب كي تبقي دون عقاب.. ولا تسكني بهدوء .. أحلامي النائمه... فيا نجمة من السماء سقطتي.. حولي المشاعر تراب.. و كوني دوما( سيدتي الصارمه) ... فكم أخاف بحبك أن أصاب.. فتنهار بداخلي.. كل زوايا ضلوعي القائمه... قرأت تلك الكلمات جيدا فابتسمت ساخره وحدثت نفسي قائله :هل يحاول استفزازي ذلك المتسول بمزاحه السخيف! .. هه بالطبع سأكون دوما سيدتك الصارمه . قرأت قصيدته تلك مرارا وتكرارا فانتبهت لكلمة (ابقي هنا) .. فخفت كثيرا أن يكون قد تركني وأغلق علي كما فعل سابقا , وركضت بسرعه لأخرج وما ان انفتح الباب حتى شعرت بالارتياح . وجدته يجلس على دراجته الناريه العتيقه ويبتسم وكأنه يعلم كم أنا مذعوره وخائفه من تركه لي , فحاولت استجماع نفسي والتظاهر بالعكس . سألني: تودين أن تركبي خلفي أم تعودين وحدك . قلت بلا اهتمام : سأعود وحدي . وحين كان ذلك المتسول يستعد للرحيل .. تفاجأ كلانا بتلك السياره الرياضيه التي وقفت بتهور بالقرب منا . ثم خرج ذلك الملاك الأنيق وألقى التحيه على المتسول , فتوجه له ذلك المتسول وسلم عليه وهو يقول : اهلا بك .. كيف حالك ؟ وكيف حال أبيك؟ . فرد ذلك الأنيق وهو ينظر الي : بخير . فنظر له المتسول وكأنه انتبه لنظراته فقام بالالتفات حيث أقف أنا وقال : لما تقفين هنا ؟.. بامكانك الرحيل الآن . فقاطعه الأنيق وهو يسألني : كيف حالك يا فتاة المظله ؟. فقلت : بخير . فعاد يسألني مازحا : ألن تعيدي لي معطفي ؟ .. ان لم تفعلي لن أعيد لك مظلتك . أجبته قائله : قلت لك احتفظ بها .. لا أريدها . فقاطعنا المتسول موجها حديثه للملاك الأنيق قائلا : هل تحتاج سيارتك لأي خدمات . فأجابه ذلك الأنيق بغرور قائلا : وهل تعتقد أن سيارة كهذه بحاجه لخدمات ؟! فرد المتسول : حسنا عذرا ربما نلتقي مرة أخرى, ولكن يجب أن نرحل الآن .. تفاجأت بذلك المتسول وهو يسحبني من يدي ويمشي حيث دراجته الناريه , فهمست له حتى لا يسمعني ذلك الأنيق قائله : ماذا تفعل اتركني . فقال وهو يهمس لي : اركبي خلفي بسرعه قبل أن أقول له أنك تعملين لدي في ميكانيكا السيارات . فشعرت بالاستياء الشديد من تهديده لي فأنا حقا لا أرغب بأن أنحرج مرة أخرى أمام ذلك الأنيق ككل المرات الأخرى التي قابلته بها . فنظرت الى ذلك الأنيق الذي ما زال يقف موجها نظراته الي .... . . . . ترى هل سأركب خلف ذلك المتسول على دراجته الناريه ؟ وترى الى أي الحدود سيصل تهور ذلك المتسول ؟! . بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
انتحر قلمي وذاب الورق .. الجزء التاسع (شتاء قلبي)
نظرت الى ذلك الأنيق الذي ما زال يقف موجها نظراته الي , وركبت خلف ذلك المتسول على دراجته النارية العتيقة التي قادها الى المنزل رغما عني , وما ان توقفنا أمام المنزل حتى قررت الانتقام من تهديداته لي .. فأمسكت بكتفه بقوه قبل أن ينزل من على دراجته النارية وقمت بعضه , أخذ يصرخ فتركته وانطلقت هاربة الى المنزل بسرعة . فتحت الباب وحاولت اغلاقه قبل أن يلحق بي.. ولكني فشلت في ذلك , فقد دفع الباب بقوه ودخل وألصقني بالجدار, وقد أرعبني وجه الغضب في عينيه حين قال: أخبريني عن أي مظلة كان يتحدث ذلك المغرور ؟ . أجبته وأنا أحاول تحرير نفسي من غضبه : لا شأن لك بذلك كما أنه ليس مغرورا .. ولا أسمح لك بتهديدي مرة أخرى بهذا الشكل القذر .. ابتعد . أخذ يضحك بشكل هستيري وهو يقول : هل أغضبك قولي عنه مغرور !! .. وازدادت ضحكاته وتعالت حتى أكمل قائلا : حسنا سيدتي.. يبدو أنك تحاولين الوصول لقصرك بأية طريقه .. حتى وان كانت عن طريق اغراء صاحب السيارة الرياضية الفارهة , وأعتقد من نظراته لكِ اليوم أنك نجحتي في ذلك .... أخذ يُصفِق لي باستهزاء وهو يكمل ترهاته , فما كان مني سوى أن طبعت كفي على وجنته حين قمت بصفعها راجية منها أن توقف شفتيه عن اطلاق اتهاماته الجارحة .. ثم قلت ببرود : ربما أنا تافهة .. ولكن قلبي ليس للبيع أو المقايضة . شعرت بالجنون يسيطر على عينيه وهو ينظر الي بوعيد شديد , وآلمتني يديه وهو يقبض علي ويزيد من دفعي لأحضان الجدار القاسي خلفي , ولكن القهر الذي أصابني من اتهاماته الرخيصة , جعلني أنظر لعينيه وأنا أتحدى ثورته وأبارزها بسهام نظراتي , حتى صرخ بكل قوته وكأن الغضب يزأر بداخله.. من ما أثار رعبي وجعل جسدي يرتجف رغما عني بين يديه, ومع ذلك بقي العناد في عيناي على موقفه .. حتى زاحته دموع الفزع بين جفناي وكأنها تطلب الشفاعه لنظراتي العنيده من ذلك المتسول .. فتركني ,, بل وترك المنزل بأكمله وهو يغلق ذلك الباب خلفه. سقطت أرضا وأنا أتنفس الاختناق من كبريائي , وأجمع شهقاتي الفزعة علها تعيد لقلبي الراجف سكونه , ثم أنطلقت الى سجني الدائم في تلك الغرفة وأخرجت المعطف ذو الازرة الذهبية من الخزانة , وخرجت أركض حيث ذلك المقهى الذي اعتدت أن أراقب ملاكي الأنيق فيه , وفعلا لم أخطئ الهدف .. فقد وجدته هناك . دخلت المقهى وتوجهت مباشرة الى طاولته ووضعت ذلك المعطف أمامه ثم قلت : ها هو معطفك أتمنى أن تعيد لي مظلتي الآن . ابتسم ببرود ثم قال : لكن هذا ليس معطفي . قلت : بل هو معطفك .. أعيد لي مظلتي رجاء حتى لا يزعج كلانا الآخر بعد اليوم . فقال : قلت لك هذا ليس معطفي .. فمعطفي حين أعطيتك اياه كان جميل جدا . تحرك من مقعده بهدوء في حين كانت الحيرة تسيطر على ملامحي , وأخذ ذلك المعطف واتجه حيث أنا واقفة ووضع المعطف بجرأة على كتفاي ثم قال : نعم هذا هو معطفي الجميل.. وأخيرا تعرفت عليه . ثم أكمل قائلا : لكني أتساءل.. هل ممكن أن يقبل معطفي الجميل مشاركتي الطاولة؟ وترى هل يسمح لي بأن أطلب له القهوة ؟! أخذت أتلفت حولي ثم أجبته بخجل شديد من تصرفه ونظرات الناس لنا : أرجوك أخفض صوتك فالناس .. قاطعني بثقة وهو يخاطب الناس قائلا : هل هناك ما يستدعي النظر. ثم عاد يخاطبني بهمسه قائلا: والآن هل لا قبلتي دعوتي وبقيتي معي حتى لا تتطفل علي الشماتة في نظراتهم؟ . ابتسمت رغما عني من تصرفه ذاك ولم أشأ احراجه فقبلت دعوته . جلست على الكرسي أمامه وبقيت صامته , فوجدت عيناه تراقبني , شعرت بالتوتر فتناولت القهوة بسرعه ووقفت مستعدة للرحيل , وقبل أن أخرج من باب المقهى انتبهت له وهو يركض خلفي ويتقدمني بخطواته الواسعة ليفتح لي الباب ,, وما ان خرجنا حتى تبعني وأخذ يمشي بجانبي؟! فسألته : ماذا تريد ؟! أجابني قائلا : الحقيقة أنا أود أن أتأكد من أن معطفي الجميل سيصل الى بيته بأمان . كنت أحاول أن أظهر أمامه كفتاة لا تهتم ولا تأبه بتواجده , بقيت أمشي بغرور ولكن في داخلي كنت سعيدة , أخذت أخبر نفسي كم هو لطيف وأنيق ووسيم ومن عالمي الذي فقدته , عدى عن كل ذلك هو يلائمني تماما .. وعلى الأقل ليس متسولا يرتدي قميصا بالي ومخطط . أوصلني ذلك الأنيق الى المنزل وقبل أن أدخل أمسك بيدي وقال : اقبلي دعوتي على العشاء غداً رجاءً . سحبت يدي بسرعة واتجهت الى المنزل وكم كنت خائفة أن يرى ذلك المتسول ملاكي الأنيق برفقتي . فرفع ذلك الأنيق صوته قائلا: قابليني غداً في الثامنة مساءً عند نفس المنتزه الذي أعطيتك فيه معطفي.. سأنتظرك هناك . اسرعت في خطواتي مبتعدة عنه ودخلت المنزل بهدوء فوجدت المتسول يقف عند النافذة .. فعلمت بأنه رآني أنا والأنيق سويا . مشيت الى الغرفة وقبل أن أدخل سمعته وهو يقول بتهكم : ليس للبيع أو المقايضة أليس كذلك ؟ هه. دخلت الى الغرفة وتجاهلته .. وظللت أفكر بذلك الأنيق وتصرفاته طوال الليل مرة أبتسم ومرة أتذكر كلام ذلك المتعجرف فأغضب حتى نمت . وحين استيقظت في اليوم التالي , لم يكن يشغل بالي سوى عشاء ذلك الأنيق . أخذت أحدث نفسي : هل أذهب ؟؟ ولما لا أذهب ,, يبدو أنه حقا معجب بي , وأنا أيضا معجبة به منذ أول مرة رأيته فيها . فقررت أن أذهب فاخترت فستانا وردي هادئ يشبه الورد الذي يسكن جنبات البحيرة المتجمدة في ذلك المنتزه , وتركت خصلات شعري تنتثر حولي فكم أهوى أن يطاردها الهواء .. تأنقت بشدة يومها . وفي المساء.. نظرت الى ساعتي التي اشارت لاقتراب موعدنا , فحملت ذلك المعطف وخرجت من الغرفة متوجهة الى باب المنزل , كانت صديقتي تجلس بجانب أخيها المتعجرف على الأريكة , وقد كان يقرأ الصحف اليومية . نظرت لي صديقتي وقالت: يا الهي كم انتِ جميلة بهذا الفستان .. هل بامكاني استعارته منك حين يعود زوجي ؟. ابتسمت وقلت : بالطبع يمكنك ذلك . وجدته ينظر لي باحتقار كنظرتي له حين قابلته أول مرة , آلمني ذلك الشعور بداخلي ولكن لم أكن أود افساد يومي . أكملت صديقتي تسأل : الى أين أنتِ ذاهبة ؟. أجاب هو : الى السيارة الرياضية الفارهة . قلت مستاءة : لا شأن لك بذلك . وقف وتقدم بضع خطوات ببرود ثم قال: ان خرجتي اليه فلا تعودي الى هذا المنزل أبدا .. قلت : أتقوم بطردي الآن . استدار وأعطاني ظهره ثم أجابني : ان خرجتي فنعم سأطردك . صرخت صديقتي : لما تقول ذلك .. ما الأمر ؟ أما أنا فاتجهت الى الباب وفتحته وقبل أن أخرج .. عاد يخاطبني ذلك المتسول قائلا : اذن قد قررتِ الرحيل .. ثم تعالى صوته فصرخ: أتعلمين شيئا .. لن يحضر ,, أتعلمين لماذا ؟؟ لأن زوجته في مشفى الولادة الآن . صعقني كلامه , ألهذا الحد يهوى عذابي ؟! صرخت بجنون : اصمت .. اصمت اصمت , اصمت أيها الكاذب ,, هو ليس متزوجا ..هو معجب بي وانا معجبة به أيضا ,, أسمعت ذلك .. أنا معجبة به , قد سمعته وهو يدعوني على العشاء البارحة وأنت تكرهني الى درجة أنك لا تود أن تراني سعيدة ,, أليس كذلك ؟. أجابني: هو يتلاعب بكِ .. اذهبي اليه ,, ارحلي ولا تعودي . قلت : هذه المرة ..أعدك بأن لا أعود . وخرجت أركض بعيدا الى ذلك المنتزه الذي ينتظرني فيه ملاكي الأنيق ..وحين وصلت الى هناك , وجدته يجلس على ذلك الكرسي الطويل . ابتسمت وعدلت هندامي ومسحت دموعي واقتربت منه , وقبل أن أناديه .. تحرك واستدار في اتجاهي فانتابني اليأس وغمرني القلق حين اكتشفت بأن ذلك الرجل ليس ملاكي الأنيق . جلست على ذلك الكرسي الطويل الذي تركه لي ذلك الرجل وبقيت أنتظر , تارة أبتسم وأقول : هل ستصدقين ذلك المتسول المتعجرف ؟! .. وأنظر الى ذلك المعطف بين ويداي وأطمئن نفسي بأنه سيأتي . وتارة أخرى تغلبني الدموع فأمسحها وأرتدي المعطف ليسري الدفيء في جسدي . وأخذ الوقت يمضي ولم يأتي ,, لا أعلم لما فعل بي ذلك . وأنتصف الليل وما زلت أنتظر .. عذبني الانتظار وبرد الشتاء آلمني حتى أيقنت بأنه لن يأتي , هل أرحل ؟ وان رحلت الى أين سأمضي ؟ ولشدة يأسي وبؤسي بقيت على حالي لم أتحرك , وكلما أزعج الهواء السكون وأصدر صوتا نظرت خلفي أملا في أن أراه , لم أحبه ولكنه الأمل , وجدت في أناقته أمان الماضي , ورغبتي في الشموخ من جديد أمام قسوة ذلك المتسول.. وهذا ما جعلني أتعلق في صاحب المعطف الدافيء أكثر . ومضى الليل ما بين لفتاتي والدموع , وكأن اليأس يومها أهداني شريط ذكرياتي للصدمة تلو الصدمة منذ أن نفاني قصري . وظل الوقت يمر حتى بدأت الشمس تصعد سلم النهار .. فمشيت باتجاه السياج المطل على البحيرة المتجمدة في ذلك المنتزه , وأخذت أتخيل طيف ذلك الملاك الأنيق في سماء تلك البحيرة. خلعت ذلك المعطف ونظرت اليه فأخذت أخاطبه قائلة : يوم خذلتني.. ماتت كل الكلمات على شفاهي ... يوم خذلتني .. توقفت حروفي عن التباهي ... يوم قتل الانتظار ثوبي الوردي ... يوم ظهر النهار وأصبحت الشمس ضدي ... يوم بعثرت خصلات شعري وأنا أنتظر.. أن ترتبها أناملك... يوم تساقطت دموعي تحمل صورا .. كثرت بها ملامحك ... أحمر شفاهي المخملي اختنق ... كل احساس من حنايا روحي انسرق ... ضوء شمسي في ظلام مشاعري نفق ... وبقيت أنا .. وهمي .. وحبرا ملأ أناملي أرق ... باختصار .. هكذا ..اغتلت أنت كبريائي .. وهكذا .. أعلنت أنا انتهائي .. وهكذا.. انتحر قلمي.. وذاب الورق... وتركت ذلك المعطف ليسقط أرضا , وتركت العنان لمشاعري بأن تقرر مصيري في هذه الحياة.. وما ان امتلأت السماء بلون النهار ... حتى اتخذ يأسي قرار ... حين ترفضني حياتي .. يقرر كبريائي الانتحار ... فعلوت ذلك السياج , ونظرت الى الأفق وأغمضت عيناي , همست قائلة : مشواري معك أيتها الحياة انتهى .. أتمنى أن يحتويني العمق المتجمد في هذه البحيرة.. وها أنا على حافة النهاية بين يأسٍ وأُفق .. بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
رثاني دون أن يشعر .. الفصل العاشر (شتاء قلبي)
علوت ذلك السياج , ونظرت الى الأفق وأغمضت عيناي , همست قائلة : مشواري معك أيتها الحياة انتهى .. أتمنى أن يحتويني العمق المتجمد في هذه البحيرة.. وها أنا على حافة النهاية بين يأسٍ وأُفق .. أعرضت عن الدنيا ولا أتذكر أني نظرت لها حيث تقف خلفي ,فلم يكن هناك شيئا يحملني على التراجع , كل ما سألته لنفسي عندها : ترى متى سيعلم والداي بمفارقتي الحياة؟ .. أخذت خصلات شعري تحارب الهواء وتصفع وجنتاي... تنسدل ثائرة على كتفي تحاول تقييد ذراعاي... جن فستاني فطار خوفا من أن تزل به قدماي... والشمس أطلقت أشعتها باتجاهي , علها توقظني فأفتح عيناي ... ورغم ذلك .. تركت السياج لستُ آسفة على دنياي ... وهويت من الأعلى .. حتى اصطدم جسدي بسطح المياه في تلك البحيرة , وبدأت الآلام تغمرني وأيقنت بأني سأموت حتما بعد أن شعرت بتحطم العظام في صدري , ولم أعد قادرة على الحراك , وبدأت البحيرة تبتلعني لتحتويني في اعماقها كما تمنيت .. الا أن أمنيتي لم تكتمل , فقد شعرت بأن هناك شيئا يسحبني لسطح الحياة, شعرت بأن هناك يدان تجاهدان في حملي ترفضان بشدة رحيلي .. تساءلت أين أنا ؟ , ولما عادت الأرض واختطفتني مرة أخرى اليها ؟؟ فقوة الألم الذي أشعر به يحرم عيناي من الرؤية , كنت أختنق ببطيء فالتنفس يقتلني.. سمعت صراخا يصاحب صدى الصوت في ذهني.. كان الصراخ يقول : افتحي عيناك .. ارجوك ابقي معي ... كان الصراخ يلومني ويقول : لماذا ؟؟ لماذا !!.... كان الصراخ يهمس في اذني قائلا : استيقظي .. ابقي معي. شعرت بذراعيه تحتضنني وكأنه يحاول جمع حطام ضلوعي على صدره.. استطعت رغم الألم تمييز صوته ... فعرفت بأنه ذلك المتسول ونطقت للمرة الأولى باسمه... وقلت بهلع : لا ت ت رك ن ي .. أنا أ ح ت ضر. فعاد صراخه يهمس في أذني : ابقي معـــــــــــــــي .. عووووودي . و غلبه البكاء فرثاني دون أن يشعر قائلا : عودي... كفكفي الدموع في صمودي... عودي... غزلتي العشق في صدودي... فتبِعتُكِ ولم أبتعد.. بقيت بقربكِ أرتعد.. بقيت أعاند نفسي في وجودي... عودي... وأخبريني لما أحببته ؟.. ما الذي فيه وجدته ؟.. وما الذي جعلكِ اليوم قيودي... عودي.. وأخبريني الآن عودي... دعيني أعانق عيناكِ وان لم تعانقيني.. دعيني أعلم أنكِ بخير واتركيني.. و لن أتبعك.. و سأحبك فقط ان أحببتيني.. عودي... أتعلمين!.. هناك وعدا خبأت فيه جنون صباي.. حين رأيتك أول وهلة .. كنتِ بعد مماتي محياي.. عاهدت نفسي أن لا أعانق شفتيكِ.. حتى تعانقي شفتاي.. وعندها أتمنى أن يعذرني غرورك.. فقد جعلتي أقفال الهوا سجنك.. ولن تملكي بعدها سواي... عودي الي سيدتي عودي... أيقظي بداخلي كل وعودي... قد أهلكني حبك.. وخارت معه قواي... (عودي) ... جعلتني كلماته أبقى معه لبعض الوقت قبل أن يسرق الألم روحي وأنام ... و ظننت أني سأنام الى الأبد , لم أكن أعتقد بأن ذلك المتسول سيناضل حتى يحميني من الموت ويُبقيني بعيدة عنه . واستيقظت بعد عدة أسابيع وأنا في المشفى , لا أتذكر كيف وصلت الى هناك؟ أو كم مضى من الوقت على تواجدي فيها !! . ورأيت صديقتي بجانبي ولكن هذه المرة ليس كصديقة وانما كممرضة .. سألتها : أين أنا ؟ قالت : أين تظنين ! ..بالطبع انت في المشفى آنستي . قلت : آنستك !! أجابتني : عذرا هل أخطأت التعبير يا آنسة؟! . فابعدت عيناي عنها ونظرت الى النافذة بجانبي والتزمت الصمت .. اقتربت مني وقالت بصوت هادئ يكسوه الحزن والحنان : لما فعلتي ذلك ؟. لمعت دموعي وهي تتباهى بأنها ما عادت تخاف السقوط فقلت : لأن أقل خسائري الآن ربح , فعلى الأقل وجدت مكانا يأويني . ردت علي بنظرة بائسة ثم قالت : لا أعرف ماذا أقول .. ولكن حتى يعود اليك صوابك فسأكون ممرضتك فقط لا أكثر . واستدارت بسرعة وكأنها تخاف أن ألمح ضعفها أمام ذلك القرار الذي قست به علي وخرجت مسرعة من غرفتي في تلك المشفى . وعُدت أنا دون أي مبالاة لأغفو من جديد .. ولكن حين بدأت أستيقظ وقبل أن أفتح عيناي ,شعرت بيدي وهي تحاول احتضان الوسادة التي بجانبي لأقترب منها وأختبئ بها .. وللحظات شعرت وكأني مقيدة بتلك الوسادة ففتحت عيناي لأٌدرك بأن تلك الوسادة لم تكن سوى قميص ذلك المتسول الذي كان نائما بقربي و يحتضنني بشدة دون أن أشعر . دفعته بعيدا عني ولكني شعرت بألم حاد في عظام صدري , فأمسك بي ذلك المتسول وقيد يداي وقال : لا تتحركي .. ستؤذين نفسك . قلت له : ابتعد عني . فأجابني : قد فات الأوان على ابتعادي .. وعذرا لن أبتعد ,, وان تحركتِ ستشعرين بالألم فاستسلمي . قمت بالرد بكل برود وقلت : من المزعج أن تحاصرني أنت من اتجاه ويحاصرني الألم من الاتجاه الآخر .. فأختارك رغما عني . احتضنني اكثر وهمس بأذني قائلا : أعلم مدى كرهك لي ولكن أنا ..... وعلا همس الصمت أكثر قبل أن يستسلم ويتركني قائلا : احتضني الوسادة جيدا حتى لا تشعري بالألم وحتى يسهل التئام ضلعك الذي انكسر . ومضى مسرعا ليخرج من غرفتي في تلك المشفى .. وبعد دقائق أتت صديقتي للكشف على مؤشرات جسدي الحيوية ,, فسألتها : كيف وصلت أنا الى هنا ؟ جلست بقربي وقالت : اخي أحضرك الى هنا . سكتت قليلا ثم أكملت : قد تبعكِ في ذلك اليوم .. وقد أخرجكِ من البحيرة .. ولأن السقطة قد حطمت عظامك فقدتِ الوعي .. فأتى بكِ الى هنا و كان يحاول بشدة .. لم أهتم لسماع التفاصيل أكثر ففي داخلي كانت كلمات رثائه تتردد في أذني حين صرخ عودي , كنت أعرف أنه عانى ليسعفني وأعيش .. أردت تغيير الموضوع فقلت لصديقتي بهدوء : هل ستأخذينني الى غرفة الأشعة اليوم ..أم أن بإمكاني النوم الآن ؟ . أجابتني قائلة : خذي حبات الدواء هذه أولا . فقلت لها بتعب : اتركيها على الطاولة بجانبي رجاءً. فوضعتها على الطاولة ثم قالت : بإمكانك النوم ولكن لا تنسي احتضان الوسادة حتى تُشفى عظامك بسرعة . وخرجت صديقتي فدفعت انا وسادتي بغضب وخاطبتها قائلة : أكره أن أحتاج الى أحد حتى أني أكره احتياجي لك أيضا أيتها الوسادة .. لذا أفضل أن أتمرد على ألمي . ونسيت أمر حبات الدواء بجانبي و بقيت أعاند الألم حتى نمت .. فاستيقظت في منتصف الليل وأنا أشعر بالألم والبرد الشديد ,, فعرفت أن حرارة جسدي مرتفعة , تحركت بخوف شديد وأسرعت بسحب الوسادة وعدت لاحتضانها خوفا من أن يزداد الألم و يزداد الأمر سوءا , أخفيت وجهي في وسادتي وحاولت كتم آهاتي التي بدأت تعلو , ولكن لم تمضي دقائق حتى فوجئت بباب غرفتي في تلك المشفى يُفتح لأجد ذلك المتسول يسألني بقلق : ما الأمر هل أنتِ بخير؟ . فأجبته : أنا أتألم كثيرا وأشعر بالبرد الشديد . سألني بهلع : لماذا تتألمين ألم تأخذي الدواء ؟ أجبته : قد نسيت أمره .. تركته بجانبي على الطاولة . مضى مسرعا وأحضره وهو يتذمر : يا الهي كيف تنسين أمرا كهذا.. كيف ؟؟؟؟؟؟؟ ساعدني على الجلوس ووضع حبات الدواء في فمي وسقاني بعض الماء .. وأخذ ينظر لي وانا أحاول جذب وسادتي واحتضانها أكثر لعل ذلك الألم يخف . وفجأة صرخ بي قائلا : اتركي هذه الوسادة الآن . وأخذ تلك الوسادة من يدي بلطف حتى لا يؤذيني ثم رماها بغضب بعيدا عني , واحتضنني وهمس في اذني قائلا : أتعلمين أنك تدينين لي بحياتك .. وبما أنك لا تريدينها وأنا أنقذتها فقد أصبحت حياتي الآن .. فاتركيني أعتني بحياتي ولا تبعديني عنها هذه المرة. تركته يحتضنني ولا أعلم السبب ! هل لامست كلماته مشاعري أم أني فقط احتجت للأمان وان كان منه هو .. فقط تركته يحتضنني فحسب . أخذ يرتب بأنامله خصلات شعري ويداعبها ومضى الصمت يجول فيما بيننا حتى سألته فقلت : كيف عرفت أني أتألم ؟. أجابني : كنت أسهر خارجا عند باب غرفتك .. فسمعت صوتك تتألمين . سألته بغضب وأنا ممسكة بقميصه بشده : أيها المتسول لماذا تسهر عند باب غرفتي لماذا ؟؟. صرخ قائلا : كفي عن العناد و لا تتحركي .. سيعود الألم مرة أخرى .. فهدأت أنا خوفا من الألم فعاد يسألني قائلا: أخبريني أولا لما تناديني بالمتسول وعندها سأخبرك لماذا كنت أسهر خارج غرفتك . قلت: منذ أول مرة قابلتك فيها حين أتيت لقصري .. رأيت نظراتك لي وهي تتسول كأنها تقول (ارحمي قلبي) . ورفعت عيناي حتى التقت بعينيه وأكملت قائلة : وما زالت هذه النظرة المتسولة لم تختفي الى الآن . وعدت أضع رأسي على صدره بهدوء لأستمع لتوسلات قلبه وهو يصرخ راجيا أن أرحم نبضه الثائر .. ونمت ,, وسأستيقظ في الغد لأحكي لكم نهاية ذلك الشتاء في قلبي ... ولا أعلم هل ستكون النهاية .. أم البداية لحبي ... بقلمي سيدة القصر (سارة بنت طلال) |
قلبي صافي الاحساس محمي .. الفصل الأخير (شتاء قلبي)
وعدت أضع رأسي على صدره بهدوء لأستمع لتوسلات قلبه وهو يصرخ راجيا أن أرحم نبضه الثائر .. ونمت.. وحين أستيقظت في الصباح وجدته ينظر لي ويداعب خصلات شعري .. أخبرته قائلة : أعتقد بأني بخير , شكرا لبقائك بجانبي.. بامكانك تركي الآن . أجابني بابتسامه هادئة ولم يتحرك . احتار الصمت وتساءل .. ترى من منا سيقطعه أولا ؟؟ , حتى قررت أنا طلب بعض الماء .. فتحرك متسولي أخيرا وأحضره لي . اعتدلت في جلستي وساعدني هو على ذلك .. وما ان جلست باعتدال وتناولت بعض الماء حتى نظرت له بخجل وهو يراقبني .. فضحك هو وسألني : ما بكِ؟ لما تنظرين الي هكذا ؟. فقلت بتردد: لا شيء .. ثم أكملت قائلة: هذه المرة الأولى التي يغمرني بها أحد, شكرا لعطفك واهتمامك . ظهرت علامات التعجب على وجهه فقال: لم أحتضنك بسبب عطفي عليك .. احتضنتك لأني أود ذلك . أربكني كلامه فركزت نظري على يدي , وبدأت أصب توتري على أظافري التي لفت تقصفها انتباهي .. فانتبه هو لذلك وأخذ يضحك قائلا : كما أنه كان لدي صراع مع خصلات شعرك العنيدة طوال الليل , فكلما كنت أحاول تقييدها بعيدا عن ملامحك .. كانت تُصر على معاندتي فتنسدل لتحجب عني عيناكِ . فابتسمت وقلت : يبدو أن كل شيء فيَ عنيد مثلي .. أتعلم حين كنت صغيرة , كان لي مربية قاسية جدا , وذات مرة وبعد عودتي من مدرستي حيث لم أكن أبلغ حينها سوى ثمانية أعوام , قررت أن أغني أغنية كنت قد سمعت احدى صديقاتي تغنيها ونالت اعجابي , أتعرفها ؟ اسمها (Hello) للمغني الشهير ليونيل ريتشي . فضحك متسولي وقال : نعم بالطبع أعرفها . فقلت : طبعا بدأت بغنائها فسمعت مربيتي القاسية كلمات الأغنية وجن جنونها .. وأذكر أنها ضربتني بشدة يومها وصرخت في وجهي قائلة : الأطفال المهذبين لا يُسمح لهم بغناء هذه الأغاني فهي للكبار فقط . ومنذ أن بلغت السن القانونية ومنزلي يعُج صخبا بهذه الأغنية كل صباح عنادا لتلك المربية. فضحك ذلك المتسول بشدة وقال: يبدو أن طفولتك لم تختلف عن طفولتي كثيرا أيتها العنيدة . فقلت : كانت مملة بعض الشيء بسبب غياب والداي الدائم .. ماذا عن طفولتك أنت ؟. قال : توفي والداي وانا في الرابعة عشرة من عمري في حادث سير .. بسبب عطل في فرامل السيارة , وتركوا لنا أنا وأختي ذلك المنزل الذي نعيش فيه , تركت دراستي لمدة بعد وفاتهم لأن معاش والدي لم يكن يكفي سوى لدراسة أختي واتجهت للعمل في ميكانيكا السيارات حتى استطعت قبل فترة بسيطة الحصول على ذلك المرأب الصغير والعمل بشكل مستقل , وأطمح كثيرا الى انهاء تعليمي مستقبلا وتطوير عملي .. وفقط هذه كل حياتي باختصار. بقيت أنظر له حتى قال لي : هل أخبرك سر ؟ . قلت مبتسمه : بالطبع أخبرني . قال: اليوم سيأتي زوج صديقتك الموقرة والتي هي أختي المزعجة .. ولكن لا تخبريها بذلك فهي مفاجأة . قلت : حقا ؟! هذا رائع .. فقد أخبرتني منذ مده أنها تشتاق اليه , مؤكد ستكون مفاجأة رائعة . فأجابني : فعلا ستكون مفاجأة رائعة .. لذا يجب أن أرحل الآن لاستقباله في المطار , وحاولي أنتِ أن لا تدعيها تعود مبكرا اليوم , أما أنا .. فسأعود اليك ليلا ,, وغمز لي وهو يسألني قائلا : اتفقنا ؟ . فأجبته وأنا أغمز له أيضا قائلة : اتفقنا . وما ان خرج حتى بدأت أفكر بكل شيء قاله لي , أخذت المرآة وأخذت أنظر لخصلات شعري العنيدة وأنا أحاول رفعها فتعاندني وتستلقي على وجهي دون أن تبالي . حتى مر الوقت وأتت صديقتي وقالت : كيف حالك اليوم يا آنسة . فسألتها بملل : متى ستتوقفين عن ذلك ؟.. أنتِ تعلمين..... وقبل أن أكمل حديثي وضعت بسرعة ميزان الحرارة في فمي , ثم قالت: أتذكرين حين كنا بالمدرسة؟!! .. أتذكرين ذات مرة حين بكيت وأخبرتك بأني أشتاق لأمي .. ماذا قلتي لي عندها!! ,, ألم تقولي : نحن كصغار العصافير حين نستطيع الطيران يرحلون عنا آباءنا , أخبرتني بأني أستطيع المشي وحدي , ولذلك أمي رحلت لأنها تثق جيدا بأني سأعتني بنفسي , ومنذ ذلك الوقت وأنا أعتني بنفسي .. علمتني كيف أعيش, أخبريني الآن لما تودين الموت ؟ لما ؟؟. سقطت دموعي وأخرجت ميزان الحرارة من فمي وقلت : أنا آسفة , قد اغتال اليأس حياتي.. لم يعلماني والداي المشي سوى داخل قصري فحسب , ولذلك حين سقطت خارجه.. فضلت الاستسلام ,, ولكن أعدك بأن أحاول . احتضنتني عندها وقالت وهي تمسح دموعها وتبتسم مازحه : حسنا آنستي يجب أن تأخذي دوائك الآن . بادلتها الابتسامه وقلت : سأفعلها وأنتحر للمرة ثانية ان لم تتوقفي عن مناداتي بآنستي . أجابتني وهي تضحك : حسنا .. لا تنسي أخذ دوائك وأنا سأعود للمنزل الآن . فتذكرت اتفاقنا أنا ومتسولي وأسرعت أقول : اسمعي أنا أشعر بعظامي تؤلمني .. هل من الممكن أن تأخذيني الى غرفة الأشعة؟ . فأجابتني : حسنا ..لا بأس سنجري الأشعة اليوم . فأسرعت أقول : أيضا أود أن تساعديني في أخذ حمام ساخن وغسل شعري وتبديل ملابسي فقد سئمت ملابس المشفى , انظري كم هي رثة وليست أنيقة . أجابتني وهي تضحك ساخرة : أهلا بعودتك سيدة القصر . وفعلا قمت بتأخيرها حتى قامت بكل ما طلبته منها وقبل أن ترحل سألتني : والآن أيتها المتطلبة .. هل تريدين شيئا آخر قبل أن أرحل ؟. أجبتها : لا أشكرك أنا حقا ممتنة.. ولكن هل من الممكن أن تعيريني مشبك الشعر الخاص بكِ ؟؟ فأنا أود رفع شعري به وأعدك أن أحافظ عليه . وأعارتني ذلك المشبك وما ان رحلت حتى بدأت أرفع به خصلات شعري لربما تتوقف عن عناد ذلك المتسول وحجب ملامحي عنه . ومضى الوقت وانا أعيد تثبيت مشبك الشعر كل عشرة دقائق .. وتارة أرش العطر ثم أتألم , وتارة ارسم ابتسامتي على المرآة الصغيرة الخاصة بي وأتناسى الألم .. أردت كثيرا مراسلة أمي عن طريق هاتفي النقال , لكن منذ يوم البحيرة ذاك وانا لا أذكر أين ذهب هاتفي , ومضى الوقت وأنا أفكر في كل ما مر بي .. حتى أتى متسولي وقطع حبل أفكاري قائلا بتعجب : هل أنتِ بخير اليوم! أم أنكِ جميلة دوما أيتها الدمية ؟!. ابتسمت وقلت : قد قيدت خصلات شعري حتى لا تصفها بالعنيدة . ثم أكملت أسأله : ماذا عن المفاجأة ؟. أجابني ضاحكا: ليتك رأيت ردة الفعل الدرامية لصديقتك حين رأت زوجها . ثم أستدرك الأمر بسرعة وقال : يا الهي,, هناك من أصر على زيارتك .. قد نسيتها في الخارج, لحظة وأعود ؟؟ ثم خرج تاركا على وجهي العديد من علامات الاستفهام حول الزائر . وعاد وقد أدخل فتاة لا أعرفها ثم قال : هذه الأنيقة تكون أخت زوج أختي.. وقد أصرت على زيارتك . نظرت الى تلك الفتاة فوجدتها جميلة.. ولكنها مني أقصر ... شعرها أسود .. وما زالت الشمس تشرق من شعري الأشقر ... عيناها الصغيرتين خضراء.. ولكن عيناي العسليتين أكبر ... يلائمها فستانها البني.. و لن تجاريني ان ارتديت الأحمر ... اقتربت مني وأهدتني الورود , لم أحبها منذ الوهلة الأولى , كانت تبالغ كثيرا في ردود فعلها وتعاملني وكأني طفلة أحتاج للعناية ... أو كأني عجوز مسنة في دار الرعاية ... وأما ذلك المتسول فقد كان سعيد جدا بها , ولم يتوقف عن مبادلة الأحاديث معها قالت تلك الفتاة توجه كلامها لذلك المتسول : يا الهي أرأيت ردة فعل أختك اليوم .. حقا اتمنى لو أحصل يوما على حبٍ كهذا .. ثم أكملت حديثها تسأله : هل جربت يوما الحب ؟. أجابها قائلا: أنا أؤمن بوجوده .. ثم نظر الي وسألني: ما رأيك أنت ِ أيتها الشاعرة .. هل أحبيتي يوما؟ . نظرت لهما دون أن أهتم لمحور الحديث وقلت : أحبني الكثير, ولكني أتجاهل الحب دوما .. ولا أحب أحدا. ضحكت تلك الفتاة قائلة : أنتِ حقا مغرورة . رد ذلك المتسول بانفعال: أحيانا أتمنى لو أن هناك محكمة تحاكم من يتجاهل الحب . أجبته : لو كان هناك محكمة للحب.. ربما سأخسر القضية . سألني متعجبا : لماذا ؟؟ ألستِ تملكين من الغرور ما يكفي لتتجاهلي الحب؟! . قلت بثقة : الحب ليس عادل ..دعنا نتخيل الموضوع ,, وماذا لو : في قانون المحبين حكموا عليه اعدام... فقلبي قاتل.. وبلغ من الغرور حد الاجرام ... وقفت أدافع عن موكلي بإصرار و اهتمام ... بدأت مرافعتي ويداي على قلبي تحية احترام ... أبعدته عن كل من بالهوى يرمي ... سيد القلوب وسيادته تعمي ... لا حزن يعتصره .. ولا لقلب أحدهم يُدمي ... هو قلبي فكفاه فخرا انه باسمي ... مغرور قلبي ومجنون ... هوايته أسر العيون ... يمشي بهدوء ذهابا وايابا ... يغني ثقه ويرقص عذابا ... على ألحان نبضات بحبه.. احتضرت اعجابا ... فما ذنب قلب قد اعتزل الحب شبابا! ... فجأة,, قاعة المحكمه دوت ازعاج ... كُلاً يشكي ذاك القلب وكُلاً بهمه قد هاج ... حتى صرخ قاضي الحب وقال بكل احراج ... اني معجب فبالغرور اعدامك.. وبيدي الافراج ... فأخبروني.. كيف أرسو بمركبي بعيدا عن الأمواج؟؟! ... وكيف أنجو بقلبي .. عائدة واياه كل الأدراج ؟؟؟ ... ألستُ بذلك أخسرالقضية ؟؟؟؟... لم تملك تلك فتاة بعد طرحي لسؤالي هذا سوى أن تصفق وتصرخ : يا الهي!! أنتِ حقا شاعرة .. وربما ذلك يُفسِر لي غرورك. أما ذلك المتسول فظل ينظر لي صامتا ولم يُعلِق على حروفي المنثورة بكلمة . وأما أنا فقد تملكني الملل من تواجد تلك الفتاة ومن ردود فعلها المبالغ بها , من ما اضطرني للتظاهر بالنعاس علها ترحل . وفعلا وقفت تستأذن أن تغادر .. فأسرع ذلك المتسول ووقف ليعرض عليها أن يقوم بإيصالها الى منزلها . فعادت هي تصر عليه بأنه لا داعي من أن يُتعب نفسه ويقوم بذلك . أزعجني ذلك المشهد الممل والمفتعل , فقررت أن أفتعل مشهدا آخر وأتظاهر بالتعب والألم . فبدى القلق على ذلك المتسول وهو يسألني قائلا : ما بكِ ؟ هل أنتِ بخير ؟ أجبته : عذرا.. ولكن هل تستطيع مناولتي وسادتي حتى أغمرها , ربما يخفف ذلك الألم . نظر متسولي لتلك الفتاة بتردد فأسرعت تقول : لا بأس .. يجب أن تبقى معها . ووجهت نظراتها لي ثم أكملت : أتمنى أن أراكِ قريبا بصحة وعافية . أوصلها متسولي حتى خرجت ثم اقترب مني فقمت أنا بسحب مشبك الشعر من شعري وقلت : تُصبح على خير. سألني : لما أطلقت العنان لخصلات شعرك ؟؟ . أجبته : لأن شعري موجود على رأسي وليس على رأسك .. حين يكون على رأسك ففعل به ما تشاء . ضحك بشدة ثم سحبني واحتضنني قائلا: توقفي عن عنادي أنتِ وخصلات شعرك الشقية . ولا أعرف كيف غلبني النوم وانا هادئة وحين استيقظت صباحا ورفعت رأسي لأنظر اليه , وما ان التقت عيناي بعينيه حتى بدأ يغني ويقول: Hello , is it me you're looking for? I can see it in your eyes I can see it in your smile You're all I've ever wanted, and my arms are open wide 'Cause you know just what to say And you know just what to do And I want to tell you so much, I love you ابتسمت له وحاولت أن أختبئ خجلا منه فقال : ان اردتِ يوما الاختباء مني .. فاختبئي بي. ثم أكمل بهدوء وهو يضحك من لفتاتي التي تحاول الفرار من عينيه وقال: جربيني لن تجدي مكانا آمن مثلي . في تلك الأثناء طرقت صديقتي الباب ودخلت حاولت دفعه بعيدا عني ولكن الألم منعني من استخدام قوتي فسألتنا صديقتي : ما الذي يحدث هنا ؟ فقلت بسرعه موجهة كلامي اليه : أنت.. ألا تعرف كيف تفتح عِقدا للفتيات . ابتسم بخبث قائلا : لا أعرف .. اخلعيه بنفسك. قلت : نعم سأخلعه بنفسي .. ابتعد . فابتعد عني متسولي ونظرت الينا صديقتي وكأن نظراتها تقول : لا أصدق هذا السيناريو الممل والمستهلك . سألها ذلك المتسول قائلا : أين زوجك ؟. ففتحت الباب وأدخلت زوجها الذي ألقى علينا التحية وعرفني به وأخبرني بأنه سمع الكثير والكثير عني ثم تبادل هو وذلك المتسول الحديث حتى استأذنا في الرحيل وخرجا معا لشرب القهوة . وبعد رحيلهما .. اقتربت صديقتي مني وسألتني عن هاتفي النقال فأخبرتها بأني أضعته ولا أعلم حقا أين هو , فأخبرتني بأن والدتي تواصلت معها عبر احد مواقع التواصل الاجتماعي وسألتها عني , ثم أخبرتها بأنها قد أرسلت لي طرد ويجب أن أذهب لاستلامه من مكتب البريد . سألتها ما اذا كنت أستطيع الخروج فأنا أشعر بأني بخير وسأعتني بنفسي خارج المشفى بشكل أفضل.. فأخبرتني أن الطبيب سيجري لي بعض الفحوصات وبعدها سيقرر موعد خروجي . ثم سألتني قائلة : هل رأيتِ أخت زوجي . فأجبتها : نعم قد جاءت البارحة . فعادت تسألني قائلة : ما رأيك بها ؟ قلت : تسريحتها تقليدية وأعتقد بأنها ورثت فستانها عن جدتها .. فقد بدى لي وكأنه من أيام الستينات . صرخت قائلة : توقفي عن ذلك هي ظريفة جدا .. اني حقا أُفكر في خطبتها لأخي . لا أعلم لما عندها انتابني بعض الاستياء من ذلك الحديث , وما جعلني أستاء أكثر هو شعوري بأني متضايقة من ذلك . تناولت الطعام أنا وصديقتي وبعدما رحلت قررت أن أضع حدا لمشاعري المتضاربة تلك . وما ان اتى ذلك المتسول حتى قلت له : انا بخير اليوم .. بامكانك الرحيل . وأعطيته ظهري وانا نائمة على سرير المشفى فقال : وان كنتي بخير سأبقى حتى نخرج معا من هذه المشفى . قلت : رجاءً لا تُقحم نفسك في حياتي رغما عني فذلك يضايقني . أجبته بغرور و بلا تردد : بالطبع هو كذلك . فشعرت بمدى استياءه حين خرج من الغرفة مغلقا الباب خلفه بشدة و في اليوم التالي لم يأتي , اجريت تلك الفحوصات وجاءت صديقتي وأخرجتني أخيرا من المشفى , طلبت منها أن توصلني الى مكتب البريد قبل ان نرحل للمنزل لاستلام ذلك الطرد من والدتي . وفعلا استلمته وتفاجأت كثيرا حين وجدت أن ذلك الطرد عبارة عن تذكرة سفر مرفقة برسالة من والدتي تطلب مني فيها السفر اليها هي ووالدي , فعرفت حينها أن شتاء قلبي مع ذك المتسول وصديقتي قد انتهى.. وآن الرحيل . كان سفري بعد ثلاثة أيام من ليلة خروجي من المشفى , وكان ذلك المتسول يتحاشى أن يراني .. كان يعود متأخرا جدا للمنزل ويخرج منه في الصباح الباكر . وللحقيقة ذلك علمني أني حقا أشتاق اليه كثيرا . وأذكر أن في أحد تلك الأيام وتحديدا قبل موعد سفري بيوم , أتت الي صديقتي وأخبرتني أن هناك زائر يود رؤيتي أمام باب المنزل . وصدمني كثيرا حين خرجت لأجده ذلك الأنيق وهو كالعادة يرتدي احدى معاطفه الأنيقة وينتظرني في الخارج . سألته : ماذا تريد؟ . فرحب بي قائلا: اهلا بشاعرتي الجميلة . ابتسمت بسخرية واعدت سؤالي : ماذا تريد؟ أخبرني بأن متسولي قد أعاد له معطفه ثم أخرج هاتفي النقال من جيبه قائلا : أعتقد أن القدر يجمعنا دائما يا فتاة المظلة .. ألا تلاحظين ذلك ؟ فأخذت هاتفي منه وقلت : أعتقد بأن القدر يكره كثيرا سيارتك الرياضية ولذلك أعادك الي . ثم التقطت حجرا من على الأرض ورميت به زجاج سيارته الأمامي حتى تحطم وقلت : الآن هي بحاجة الى خدمات . وما ان قلت ذلك حتى انتبهت لتواجد متسولي وقدومه من خلف ذلك الأنيق. أما ذلك الأنيق فقد ظل ينظر الي متفاجئ ما بين غضب وذهول . دخلت الى المنزل وجلست بتوتر على الأريكة .. وبعد دقائق دخل متسولي ونظر الي بتركيز فقلت : حسنا .. لم أعتقد ان زجاج سيارته تلك سيُكسر بسهوله . انفجر متسولي ضحكا وهو يسألني : حقا لم تعتقدي ذلك؟ . ابتسمت ونظرت اليه كثيرا حتى خفت أن يكتشف مدى اشتياقي لضحكاته ولحديثنا الذي لا يخلو من العناد أبدا . انسحبت بسرعه ودخلت الى غرفتي وكأني لا أبالي.. حاولت النوم وانا أحاول جاهدة أن أمحيه من بالي .. ولكن في اليوم التالي .. وانا أستعد لترك ذلك الشتاء ورائي وأحزم أمتعتي .. وجدت نفسي أبحث عنه وكأني أود الاحتفاظ به وحمله مع جميع أغراضي , شعرت بأن دموعي اختنقت في حنجرتي فأغرقت صوتي .. تساءلت : هل أحببت متسولي حقا ؟!.. احتضنت صديقتي وأنا أودعها وأسلم على زوجها وما زالت عيناي تبحث عنه ولا تراه خرجت من المنزل وانا احاول سحب امتعتي خلفي وفجأة وجدت ذلك المتسول اخيرا ينتظرني في الخارج , وما ان رأيته حتى تركت تلك الأمتعة لتسقط أرضا فاقترب مني متسولي كثيرا حتى وقف أمامي تماما فدنى حتى أصبح وجهه قريباً من وجهي وقال: في المرة القادمة حين يقوم قط مثلي بإيقاف سيارة الأجرة لكِ , لا تقومي بالقاء أمتعتك أرضا .. فقد تتضرر . فابتسمت له وقلت : سأشتاق لعنادنا الدائم . ثم حمل تلك الأمتعة من أمامي بكل بساطه ونقلها الى سيارة الأجرة .. و أدخلني السيارة وركب بجانبي وأخبر السائق أن يتجه الى المطار. وبقي كلانا صامتا في الطريق الى المطار .. حتى سألني : اذن ستسافرين ؟ . قلت : نعم سأفعل أخيراً. أسرع قائلا : هل ستعودين مرة أخرى ؟. قلت له : لا أعرف . وبقى بعد ذلك الصمت سيد الموقف بيننا حتى وصلنا الى المطار . وحين وصلنا حمل لي أمتعتي ودخل معي الى صالة المسافرين في المطار ومازال الصمت يقيد شفاهنا .. كانت نظراتنا تحتال لتبني حبال التواصل بين أعيننا فتسمح لمشاعرنا بالتحدث , حتى علا مكبر الصوت وهو يُعلن عن رحلتي , فتركت يدي تمتد اليه لتصافحه .. ولكنه ... ولكنه جذبني بقوة وقبلنَي فنجح في تحرير شفتاي فاندفعت اليه احتضنه وأتعلق به و أنا أبكي قائلة .. قلبي ليس صافي الاحساس محمي .. أنا كاذبة .. فأجابني قائلا : عوووووودي .. كفكفي الدموع في صمودي ... ثم قبلني مرة أخرى وقال مازحا : هل ما زلت قطتك التي تُقبلينها رغم أنك تتحسسين منها ؟. ضحكت من بين دموعي وقلت : أحبك . فعاد يعلو في صالة المطار النداء الأخير على رحلتي .. فقال بهلع : هل ستُسافرين ؟ . أجبته : سأسافر ولكن بالطبع سأعود . قال مسرعا : هاتفيني طوال الوقت . قلت: بالطبع . فعاد يقول : وراسليني كل يوم . قلت له : بالطبع سأفعل . وكانت آخر كلمة انتهى بها شتاء قلي ذاك هي : أحبك . |
للرفع..
|
ما شاء الله
سلسلة نثرية رائعة رح تابع هذه السلسلة القيمة عند عودتني ان شاء الله وصلت لمشارك 6 انت شاعرة رائعة سيدة القصر الله يسلم دياتك |
| الساعة الآن 01:02 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
![]()
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas